تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٣٩
في الآخرة والعذاب كالنكال بناء ومعنى يقال أعذب عن الشيء إذا أمسك عنه ومنه الماء العذب لما أنه يقمع العطش ويردعه ولذلك يسمى نقاخا لأنه ينقخ العطش ويكسره وفراتا لأنه يرفته على القلب ويكسره ثم اتسع فيه فأطلق على كل ألم فادح وإن لم يكن عقابا يراد به ردع الجاني عن المعاودة وقيل اشتقاقه من التعذيب الذي هو إزالة العذاب كالتقذية والتمريض والعظيم نقيض الحقير والكبير نقيض الصغير فمن ضرورة كون الحقير دون الصغير كون العظيم فوق الكبير ويستعملان في الجثث والأحداث تقول رجل عظيم وكبير تريد جثته أو خطره ووصف العذاب به لتأكيد ما يفيده التنكير من التفخيم والهويل والمبالغة في ذلك والمعنى أن على أبصارهم ضربا من الغشاوة خارجا مما يتعارفه الناس وهي غشاوة التعامي عن الآيات ولهم من الآلام العظام نوع عظيم لا يبلغ كنهه ولا يدرك غايته اللهم إنا نعوذ بك من ذلك كله يا أرحم الراحمين «ومن الناس» شروع في بيان أن بعض من حكيت أحوالهم السالفة ليسوا بمقتصرين على ما ذكر من محض الإصرار على الكفر والعناد بل يضمون اليه فنونا أخر من الشر والفساد وتعديد لجناياتهم الشنيعة المستتبعة لأحوال هائلة عاجلة وآجلة وأصل ناس أناس كما يشهد له انسان وأناسي وأنس حذفت همزته تخفيفا كما قيل لوقة في ألوقه وعوض عنها حرف التعريف ولذلك لا يكاد يجمع بينهما وأما ما في قوله * إن المنايا يطلعن على الاناس الآمنينا * فشاذ سموا بذلك لظهورهم وتعلق الاناس بهم كما سمى الجن جنا لاجتنانهم وذهب بعضهم إلى أن أصله النوس وهو الحركة انقلبت واوه ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها وبعضهم إلى أنه مأخوذ من نسي نقلت لامه إلى موضع العين فصار نيسا ثم قلبت ألفا سموا بذلك لنسيانهم ويروى عن ابن عباس أنه قال سمى الانسان انسانا لأنه عهد اليه فنسى واللام فيه اما للعهد أو للجنس المقصور على المصرين حسبما ذكر في الموصول كأنه قيل ومنهم أو من أولئك والعدول إلى الناس للإيذان بكثرتهم كما ينبئ عنه التبعيض ومحل الظرف الرفع على انه مبتدأ باعتبار مضمونه أو نعت لمبتدأ كما في قوله عز وجل ومنا دون ذلك أي وجمع منا الخ ومن في قوله تعالى «من يقول» موصولة أو موصوفة ومحلها الرفع على الخبرية والمعنى وبعض الناس أو وبعض من الناس الذي يقول كقوله تعالى «ومنهم الذين يؤذون النبي» الآية أو فريق يقول كقوله تعالى «من المؤمنين رجال» الخ على أن يكون مناط الإفادة والمقصود بالأصالة اتصافهم بما في حيز الصلة أو الصفة وما يتعلق به من الصفات جميعا لأكونهم ذوات أولئك المذكورين وأما جعل الظرف خبرا كما هو الشائع في موارد الاستعمال فيأباه جزالة المعنى لأن كونهم من الناس ظاهر فالإخبار به عار عن الفائدة كما قيل فإن مباه توهم كون المراد بالناس الجنس مطلقا وكذا مدار الجواب عنه بأن الفائدة هو التنبيه على أن الصفات المذكورة تنافي الإنسانية فحق من يتصف بها أن لا يعلم كونه من الناس فيخبر به ويتعجب منه وأنت خبير بأن الناس عبارة عن المعهودين أو عن الجنس المقصور على المصرين وأيا ما كان فالفائدة ظاهرة بل لأن خبرية الظرف تستدعي أن يكون اتصاف هؤلاء بتلك الصفات القبيحة المفصلة في ثلاث عشرة آية عنوانا
(٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271