تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٤٦
لباطل منوط بالتمييز بين الحق والباطل وذلك مما لا يتسنى الا بالنظر والاستدلال واما النفاق وما فيه من الفتنة والافساد وما يترتب عليه من كون من يتصف به مفسدا فأمر بديهي يقف عليه من له شعور ولذلك فصلت الآية الكريمة السابقة بلا يشعرون «وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا» بيان لتباين أحوالهم وتناقض أقوالهم في أثناء المعاملة والمخاطبة حسب تباين المخاطبين ومساق ما صدرت به قصتهم لتحرير مذهبهم والترجمة عن نفاقهم ولذلك لم يتعرض ههنا لمتعلق الإيمان فليس فيه شائبة التكرير روى ان عبد الله بن أبي وأصحابه خرجوا ذات يوم فاستقبلهم نفر من الصحابة فقال ابن أبي انظروا كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم فلما دنوا منهم اخذ بيد أبي بكر رضي الله عنه فقال مرحبا بالصديق سيد بني تميم وشيخ الاسلام وثاني رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار الباذل نفسه وما له لرسول الله ثم اخذ بيد عمر رضي الله عنه فقال مرحبا بسيد بني عدي الفاروق القوي في دينه الباذل نفسه وماله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم اخذ بيد علي كرم الله وجهه فقال مرحبا بابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه وسيد بني هاشم ما خلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت وقيل قال له علي رضي الله عنه يا عبد الله اتق الله ولا تنافق فإن المنافقين شر خلق الله تعالى فقال له مهلا يا ابا الحسن أفي تقول هذا والله إن ايماننا كإيمانكم وتصديقنا كتصديقكم ثم افترقوا فقال ابن أبي لأصحابه كيف رأيتموني فعلت فإذا رأيتموهم فافعلوا مثل ما فعلت فأثنوا عليه خيرا وقالوا ما نزال بخير ما عشت فينا فرجع المسلمون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبروه بذلك فنزلت واللقاء المصادفة يقال لقيته ولاقيته أي صادفته واستقبلته وقرئ إذا لاقوا «وإذا خلوا» من خلوت إلى فلان أي انفردت معه وقد يستعمل بالباء أو من خلا بمعنى مضى ومنه القرون الخالية وقولهم خلاك ذم أي جاوزك ومضى عنك وقد جوز كونه من خلوت به إذا سخرت منه على ان تعديته بإلى في قوله تعالى «إلى شياطينهم» لتضمنه معنى الانهاء أي وإذا انهوا إليهم السخرية الخ وأنت خبير بأن تقييد قولهم المحكى بذلك الإنهاء مما لا وجه له والمراد بشياطينهم المماثلون منهم للشيطان في التمرد والعناد المظهرون لكفرهم وإضافتهم إليهم للمشاركة في الكفر أو كبار المنافقين والقائلون صغارهم وجعل سيبويه نون الشيطان تارة أصلية فوزنه فيعال على انه من شطن إذا بعد فإنه بعيد من الخير والرحمة ويشهد له قولهم تشيطن وأخرى زائدة فوزنه فعلان على انه من شاط أي هلك أو بطل ومن أسمائه الباطل وقيل معناه هاج واحترق «قالوا إنا معكم» أي في الدين والاعتقاد لا نفارقكم في حال من الأحوال وانما خاطبوهم بالجملة الاسمية المؤكدة لان مدعاهم عندهم تحقيق الثبات على ما كانوا عليه من الدين والتأكيد للإنباء عن صدق رغبتهم ووفور نشاطهم لا لإنكار الشياطين بخلاف معاملتهم مع المؤمنين فإنهم انما يدعون عندهم احداث الإيمان لجزمهم بعد رواج ادعاء الكمال فيه أو الثبات عليه انما نحن أي في إظهار الإيمان عند المؤمنين مستهزءون بهم من غير ان يخطر ببالنا الإيمان حقيقة وهو استئناف مبني على سؤال ناشئ من ادعاء المعية كأنه قيل لهم عند قولهم انا معكم فما بالكم توافقون المؤمنين في الإتيان بكلمة الإيمان فقالوا انما نحن مستهزءون بهم فلا يقدح ذلك في
(٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271