تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٤٠
للموضوع مفروغا عنه غير مقصود بالذات ويكون مناط الإفادة كونهم من أولئك المذكورين ولا ريب لأحد في أنه يجب حمل النظم الجليل على أجزل المعاني وأكملها وتوحيد الضمير في يقول باعتبار لفظة من وجمعه في قوله «آمنا بالله وباليوم الآخر» وما بعده باعتبار معناها والمراد باليوم الآخر من وقت الحشر إلى مالا يتناهى أو إلى ان يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار إذ لا حد وراءه وتخصيصهم للإيمان بهما بالذكر مع تكرير الباء لادعاء انهم قد حازوا الإيمان من قطريه وأحاطوا به من طرفيه وأنهم قد آمنوا بكل منهما على الأصالة والاستحكام وقد دسوا تحته ما هم عليه من العقائد الفاسدة حيث لم يكن إيمانهم بواحد منهما إيمانا في الحقيقة إذ كانوا مشركين بالله بقولهم عزيز ابن الله وجاحدين باليوم الآخر بقولهم لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ونحو ذلك وحكاية عبارتهم لبيان كمال خبثهم ودعارتهم فإن ما قالوا لو صدر عنهم لا على وجه الخداع والنفاق وعقيدتهم عقيدتهم لم يكن ذلك إيمانا فكيف وهم يقولونه تمويها على المؤمنين واستهزاء بهم «وما هم بمؤمنين» رد لما ادعوه ونفى لما انتحلوه وما حجازية فإن جواز دخول الباء في خبرها لتأكيد النفي اتفاقي بخلاف التميمية وإيثار الجملة الاسمية على الفعلية الموافقة لدعواهم المردودة للمبالغة في الرد بإفادة انتفاء الإيمان عنهم في جميع الأزمنة لا في الماضي فقط كما يفيده الفعلية ولا يتوهمن ان الجملة الاسمية الإيجابية تفيد دوام الثبوت فعند دخول النفي عليها يتعين الدلالة على نفي الدوام فإنها بمعونة المقام تدل على دوام النفي قطعا كما أن المضارع الخالي عن حرف الامتناع يدل على استمرار الوجود وعند دخول حرف الامتناع عليه يدل على استمرار الامتناع لا على امتناع الاستمرار كما في قوله عز وجل ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضى إليهم اجلهم فإن عدم قضاء الأجل لاستمرار عدم التعجيل لا لعدم استمرار التعجيل واطلاق الإيمان عما قيدوه به الإيذان بأنهم ليسوا من جنس الإيمان في شيء أصلا فضلا عن الإيمان بما ذكروا وقد جوز ان يكون المراد ذلك ويكون الاطلاق للظهور ومدلول الآية الكريمة أن من أظهر الإيمان واعتقاده بخلافه لا يكون مؤمنا فلا حجة فيها على الكرامية القائلين بأن من تفوه بكلمتي الشهادة فارغ القلب عما يوافقه أو ينافيه مؤمن «يخادعون الله والذين آمنوا» بيان ليقول وتوضيح لما هو غرضهم مما يقولون أو استئناف وقع جوابا عن سؤال ينساق اليه الذهن كأنه قيل مالهم يقولون ذلك وهم غير مؤمنين فقيل يخادعون الله الخ أي يخدعون وقد قرئ كذلك وايثار صيغة المفاعلة لإفادة المبالغة في الكيفية فإن الفعل متى غولب فيه بولغ فيه قطعا أو في الكمية كما في الممارسة والمزاولة فإنهم كانوا مداومين على الخدع والخدع أن يوهم صاحبه خلاف ما يريد به من المكروء ليوقعه فيه من حيث لا يحتسب أو يوهمه المساعدة على ما يريد هو به ليغتر بذلك فينجوا منه بسهولة من قولهم ضب خادع وخدع وهو الذي إذا أمر الحارش يده على باب جحره يوهمه الإقبال عليه فيخرج من بابه الآخر وكلا المعنيين مناسب للمقام فإنهم كانوا يريدون بما صنعوا أن يطلعوا على أسرار المؤمنين فيذيعوها إلى المنابذين وأن يدفعوا عن أنفسهم ما يصيب سائر
(٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271