تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٣٢
في الثاني معنى الإذهاب بالكلية دون الأول والمراد بهذا الانفاق الصرف إلى سبيل الخير فرضا كان أو نفلا ومن فسر بالزكاة ذكر أفضل أنواعه والأصل فيه أو خصصه بها لاقترانه بما هو شقيقها والجملة معطوفة على ما قبلها من الصلة وتقديم المفعول للاهتمام والمحافظة على رؤوس الآي وإدخال من التبعيضية عليه للكف عن التبذير هذا وقد جوز ان يراد به الأنفاق من جميع المعاون التي منحهم الله تعالى من النعم الظاهرة والباطنة ويؤيده قوله عليه السلام (ان علما لا ينال به ككنز لا ينفق منه) واليه ذهب من قال ومما خصصناهم من أنوار المعرفة يفيضون «والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك» معطوف على الموصول الأول على تقديري وصله بما قبله وفصله عنه مندرج معه في زمرة المتقين من حيث الصورة والمعنى معا أو من حيث المعنى فقط اندراج خاصين تحت عام إذ المراد بالأولين الذين آمنوا بعد الشرك والغفلة عن جميع الشرائع كما يؤذن به التعبير عن المؤمن به بالغيب وبالآخرين الذين آمنوا بالقرآن بعد الإيمان بالكتب المنزلة قبل كعبد الله بن سلام واضرابه أو على المتقين على ان يراد بهم الأولون خاصة ويكون تخصيصهم بوصف الاتقاء للايذان بتنزههم عن حالتهم الأولى بالكلية لما فيها من كمال القباحة والمباينة للشرائع كلها الموجبة للاتقاء عنها بخلاف الآخرين فأنهم غير تاركين لما كانوا عليه بالمرة بل متمسكون بأصول الشرائع التي لا تكاد تختلف باختلاف الأعصار ويجوز ان يجعل كلا الموصلين عبارة عن الكل مندرجا تحت المتقين ولا يكون توسيط العاطف بينهما لاختلاف الذوات بل لاختلاف الصفات كما في قوله * إلى الملك القرم وابن الهمام * وليث الكتبية في المزدحم * وقوله * يا لهف زيابة للحارث الصابح فالغانم فالآيب * للإيذان بأن كل واحد من الأيمان بما أشير اليه من الأمور الغائبة والأيمان بما يشهد بثبوتها من الكتب السماوية نعت جليل على حياله له شأن خطير مستتبع لأحكام جمة حقيق بأن يفرد له موصوف مستقل ولا يجعل أحدهما تتمة للآخر وقد شفع الأول بأداء الصلاة والصدقة اللتين هما من جملة الشرائع المندرجة تحت تلك الأمور المؤمن بها تكملة له فإن كمال العلم العمل وقرن الثاني بالإيقان بالآخرة مع كونه منطويا تحت الأول تنبيها على كمال صحته وتعريضا بما في اعتقاد أهل الكتابين من الخلل كما سيأتي هذا على تقدير تعلق الباء بالأيمان وقس عليه الحال عند تعلقها بالمحذوف فإن كلا من الإيمان الغيبي المشفوع بما يصدقه من العبادتين مع قطع النظر عن المؤمن به والإيمان بالكتب المنزلة الشارحة لتفاصيل الأمور التي يجب الإيمان بها مقرونا بما قرن فضيلة باهرة مستدعية لما ذكر والله تعالى أعلم وقد حمل ذلك على معنى أنهم الجامعون بين الإيمان بما يدركه العقل جملة والإتيان بما يصدقه من العبادات البدنية والمالية وبين الإيمان بما لا طريق إليه غير السمع وتكرير الموصول للتنبيه على تغاير القبيلين وتباين السبيلين فليتأمل وأن يراد بالموصول الثاني بعد اندراج الكل في الأول فريق خاص منهم وهم مؤمنو أهل الكتاب بأن يخصوا بالذكر تخصيص جبريل وميكائيل به إثر جريان ذكر الملائكة عليهم السلام تعظيما لشأنهم وترغيبا لأمثالهم وأقرانهم في تحصيل مالهم من الكمال والإنزال النقل من الأعلى إلى الأسفل وتعلقه
(٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271