من غير تعرض للامتثال والإجابة إيجابا وسلبا كذلك تعلق الهداية التي هي عبارة عن الدلالة المذكورة بالمهدى لا يستدعى إلا اتصافه بالمدلولية التي هي عبارة عن المصدر المأخوذ من المبني للمفعول من غير تعرض لقبول تلك الدلالة كما هو معنى الهدى اللازم ولا لعدم قبوله بل الهداية عين الدعوة إلى طريق الحق والاهتداء عين الإجابة فكيف يؤخذ في مدلولها واستلزام الاتصاف بمصدر الفعل المتعدى المبنى للمفعول للاتصاف بمصدر الفعل اللازم مطلقا إنما هو في الأفعال الطبيعية كالمكسورية والانكسار والمقطوعية والانقطاع وأما الأفعال الاختيارية فليست كذلك كما تحققته فيما سلف إن قيل التعلم من قبيل الأفعال الاختيارية مع أنه معتبر في مدلول التعليم قطعا فليكن الهدى مع الهداية كذلك قلنا ليس ذلك لكونه فعلا اختياريا على الإطلاق ولا لكون التعليم عبارة عن تحصيل العلم للمتعلم كما قيل فإن المعلم ليس بمستقل في ذلك ففي إسناده إليه ضرب تجوز بل لأن كلا منهما مفتقر في تحققه وتحصله إلى الآخر فإن التعليم عبارة عن إلقاء المبادئ العلمية على المتعلم وسوقها إلى ذهنه شيئا فشيئا على ترتيب يقتضيه الحال بحيث لا يساق إليه بعض منها الا بعد تلقيه لبعض آخر فكل منهما متمم للآخر معتبر في مدلوله واما الهدى الذي هو عبارة عن التوجه المذكور ففعل اختياري يستقل به فاعله لادخل للهداية فيه سوى كونها داعية إلى ايجاده باختياره فلم يكن من متمماتها ولا معتبرا في مدلولها إن قيل التعليم نوع من أنواع الهداية والتعلم نوع من أنواع الاهتداء فيكون اعتباره في مدلول التعليم اعتبارا للهدى في مدلول الهداية قلنا إطلاق الهداية على التعليم إنما هو عند وضوح المسلك واستبداد المتعلم بسلوكه من غير دخل للتعليم فيه سوى كونه داعيا إليه وقد عرفت جلية الأمر على ذلك التقدير إن قيل أليس تخلف الهدى عن الهداية كتخلف التعلم عن التعليم فحيث لم يكن ذلك تعليما في الحقيقة فليكن الهداية أيضا كذلك وليحمل تسمية مالا يستتبع الهدى بها على التجوز قلنا شتان بين التخلفين فإن تخلف التعلم عن التعليم يكون لقصور فيه كما أن تخلف الانكسار عن الضرب الضعيف لذلك وأما تخلف الهدى عن الهداية فليس لشائبة قصور من جهتها بل إنما هو لفقد سببه الموجب له من جهة المهدى بعد تكامل ما يتم من قبل الهادي وبهذا التحرير اتضح طريق الهداية وتبين أنها عبارة عن مطلق الدلالة على ما من شانه الإيصال إلى البغية بتعريف معالمه وتبيين مسالكه من غير أن يشترط في مدلولها الوصول ولا القبول وأن الدلالة المقارنة لهما أو لأحدهما والمفارقة عنهما كل ذلك مع قطع النظر عن قيد المقارنة وعدمها افراد حقيقة لها وأن ما في قوله تعالى «إنك لا تهدي من أحببت» وقوله تعالى «ولو شاء لهداكم» ونحو ذلك مما اعتبر فيه الوصول من قبيل المجاز وانكشف أن الدلالات التكوينية المنصوبة في الأنفس والآفاق والبيانات التشريعية الواردة في الكتب السماوية على الإطلاق بالنسبة إلى كافة البرية برها وفاجرها هدايات حقيقة فائضة من عند الله سبحانه والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله «للمتقين» أي المتصفين بالتقوى حالا أو ما لا وتخصيص الهدى بهم لما أنهم المقتبسون من أنواره المنتفعون بآناره وإن كان ذلك شاملا لكل ناظر من مؤمن وكافر وبذلك الاعتبار قال الله هدى للناس والمتقى اسم فاعل من باب الافتعال من الوقاية وهي فرط الصيانة والتقوى في عرف الشرع عبارة عن كمال التوقي عما يضره في
(٢٧)