أمس انه مضاف إلى المفعول به على معنى انه كذلك معنى لا انه منصوب محلا وتخصيصه بالإضافة إما لتعظيمه وتهويله أو لبيان تفرده تعالى بإجراء الأمر فيه وانقطاع العلائق المجازية بين الملاك والأملاك حينئذ بالكلية وإجراء هاتيك الصفات الجليلة عليه سبحانه تعليل لما سبق من اختصاص الحمد به تعالى المستلزم لاختصاص استحقاقه به تعالى وتمهيد لما لحق من اقتصار العبادة والاستعانة عليه فإن كل واحدة منها مفصحة عن وجوب ثبوت كل واحد منها له تعالى امتناع ثبوتها لما سواه أما الأولى والرابعة فظاهر لأنهما متعرضتان صراحة لكونه تعالى ربا مالكا وما سواه مربوبا مملوكا له تعالى واما الثانية والثالثة فلأن اتصافه تعالى بهما ليس إلا بالنسبة إلى ما سواه من العالمين وذلك يستدعى ان يكون الكل منعما عليهم فظهر ان كل واحدة من تلك الصفات كما دلت على وجوب ثبوت الأمور المذكورة له تعالى دلت على امتناع ثبوتها لما عداه على الإطلاق وهو المعنى بالإختصاص «إياك نعبد وإياك نستعين» التفات من الغيبة إلى الخطاب وتلوين للنظم من باب إلى باب جار على نهج البلاغة في افتنان الكلام ومسلك البراعة حسبما يقتضى المقام لما أن التنقل من أسلوب إلى أسلوب أدخل في استجلاب النفوس واستمالة القلوب يقع من كل واحد من التكلم والخطاب والغيبة إلى كل واحد من الآخرين كما في قوله عز وجل «والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا» الآية وقوله تعالى «حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم» إلى غير ذلك من الإلتفاتات الواردة في التنزيل لأسرار تقتضيها ومزايا تستدعيها ومما استأثر به هذا المقام الجليل من النكت الرائقة الدالة على أن تخصيص العبادة والاستعانة به تعالى لما أجرى عليه من النعوت الجليلة التي أوجبت له تعالى أكمل تميز وأتم ظهور بحيث تبدل خفاء الغيبة بجلاء الحضور فاستدعى استعمال صيغة الخطاب والإيذان بأن حق التالي بعدما تأمل فيما سلف من تفرده تعالى بذاته الأقدس المستوجب للعبودية وامتيازه بذاته عما سواه بالكلية واستبداده بجلائل الصفات وأحكام الربوبية المميزة له عن جميع أفراد العالمين وافتقار الكل إليه في الذات والوجود ابتداء وبقاء على التفصيل الذي مرت إليه الإشارة أن يترقى من رتبة البرهان إلى طبقة العيان وينتقل من عالم الغيبة إلى معالم الشهود ويلاحظ نفسه في حظائر القدس حاضرا في محاضر الإنس كأنه واقف لدى مولاه ماثل بين يديه وهو يدعو بالخضوع والإخبات ويقرع بالضراعة باب المناجاة قائلا يا من هذه شؤون ذاته وصفاته نخصك بالعبادة والاستعانة فإن كل ما سواك كائنا ما كان بمعزل من استحقاق الوجود فضلا عن استحقاق أن يعبد أو يستعان ولعل هذا هو السر في اختصاص السورة الكريمة بوجوب القراءة في كل ركعة من الصلاة التي هي مناجاة العبد لمولاه ومئنة للتبتل إليه بالكلية و إيا ضمير منفصل منصوب وما يلحقه من الكاف والياء والهاء حروف زيدت لتعيين الخطاب والتكلم والغيبة لا محل لها من الاعراب كالتاء في أنت والكاف في أرأيتك وما ادعاه الخليل من الإضافة محتجا عليه بما حكاه عن بعض العرب إذا بلغ الرجل الستين فإياه وأيا الشواب فما لا يعول عليه وقيل هي الضمائر وأيا دعامة لها لتصيرها منفصلة وقيل الضمير هو المجموع وقرئ إياك بالتخفيف وبفتح الهمزة والتشديد وهياك بقلب الهمزة هاء والعبادة أقصى غاية التذلل والخضوع ومنه طريق معبد أي مذلل والعبودية أدنى منها وقيل العبادة فعل ما يرضى به الله والعبودية
(١٦)