الآخرة قال عليه السلام جماع التقوى في قوله تعالى أن الله يأمر بالعدل والإحسان الآية وعن عمر بن عبد العزيز أنه ترك ما حرم الله وإداء ما فرض الله وعن شهر بن حوشب المتقى من يترك مالا بأس به حذرا من الوقوع فيما فيه بأس وعن أبي يزيد أن التقوى هو التورع عن كل ما فيه شبهة وعن محمد بن حنيف أنه مجانبة كل ما يبعدك عن الله تعالى وعن سهل المتقى من تبرأ عن حوله وقدرته وقيل التقوى أن لا يراك الله حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك وعن ميمون بن مهران لا يكون الرجل تقيا حتى يكون أشد محاسبة لنفسه من الشريك الشحيح والسلطان الجائر وعن أبي تراب بين يدي التقوى خمس عقبات لا يناله من لا يجاوزهن إيثار الشدة على النعمة وإيثار الضعف على القوة وإيثار الذل على العزة وإيثار الجهد على الراحة وإيثار الموت على الحياة وعن بعض الحكماء أنه لا يبلغ الرجل سنام التقوى الا أن يكون بحيث لو جعل ما في قلبه في طبق فطيف به في السوق لم يستحى ممن ينظر إليه وقيل التقوى أن تزين سرك للحق كما تزين علانيتك للخلق والتحقيق أن للتقوى ثلاث مراتب الأولى التوقي عن العذاب المخلد بالتبرؤ عن الكفر وعليه قوله تعالى «وألزمهم كلمة التقوى» والثانية التجنب عن كل ما يؤثم من فعل أو ترك حتى الصغائر عند قوم وهو المتعارف بالتقوى في الشرع وهو المعنى بقوله تعالى «ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا» والثالثة أن يتنزه عن كل ما يشغل سره عن الحق عز وجل ويتبتل إليه بكليته وهو التقوى الحقيقي المأمور به في قوله تعالى «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته» ولهذه المرتبة عرض عريض يتفاوت فيه طبقات أصحابها حسب تفاوت درجات استعداداتهم الفائضة عليهم بموجب المشيئة الإلهية المبنية على الحكم الأبية أقصاها ما انتهى إليه همم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام حيث جمعوا بذلك بين رياستي النبوة والولاية وما عاقهم التعلق بعالم الأشباح عن العروج إلى معالم الأرواح ولم يصدهم الملابسة بمصالح الخلق عن الاستغراق في شؤون الحق لكمال استعداد نفوسهم الزكية المؤيدة بالقوة القدسية وهداية الكتاب المبين شاملة لأرباب هذه المراتب أجمعين فإن أريد بكونه هدى للمتقين إرشاده إياهم إلى تحصيل المرتبة الأولى ونيلها فالمراد بهم المشارفون للتقوى مجازا لاستحالة تحصيل الحاصل إيثاره على العبارة المعربة عن ذلك للإيجاز وتصدير السورة الكريمة بذكر أوليائه تعالى وتفخيم شأنهم وإن أريد به ارشاده إلى تحصيل إحدى المرتبتين الأخيرتين فإن عني بالمتقين أصحاب الطبقة الأولى تعينت الحقيقة وإن عني بهم أصحاب إحدى الطبقتين الأخيرتين تعين المجاز لأن الوصول إليهما إنما يتحقق بهدايته المترقبة وكذا الحال فيما بين المرتبة الثانية والثالثة فإنه إن أريد بالهدى الإرشاد إلى تحصيل المرتبة الثالثة فإن عني بالمتقين أصحاب المرتبة الثانية تعينت الحقيقة وإن عني بهم أصحاب المرتبة الثالثة تعين المجاز ولفظ الهداية حقيقة في جميع الصور وأما إن أريد بكونه هدى لهم تثبيتهم على ما هم عليه أو إرشادهم إلى الزيادة فيه على أن يكون مفهومها داخلا في المعنى المستعمل فيه فهو مجاز لا محالة ولفظ المتقين حقيقة على كل حال واللام متعلقة بهدى أو بمحذوف وقع صفة له أو حالا منه ومحل هدى الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي هو هدى أو خبر مع لا ريب فيه لذلك الكتاب أو مبتدأ خبره الظرف المقدم كما أشير إليه أو النصب على الحالية من ذلك أو من الكتاب والعامل معنى الإشارة أو من الضمير في فيه والعامل ما في الجار
(٢٨)