تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٢٦
وتبين منه عدم اعتباره في مفهوم المتعدى حتما واما اعتبار وجود اللازم فيه وجوبا وهو الأمر الثاني فبيانه مبنى على تمهيد أصل وهو ان فعل الفاعل حقيقة هو الذي يصدر عنه ويتم من قبله لكن لما لم يكن له في تحققه في نفسه بد من تعلقه بمفعوله اعتبر ذلك في مدلول اسمه قطعا ثم لما كان له باعتبار كيفية صدوره عن فاعله وكيفية تعلقه بمفعوله وغير ذلك آثار شتى مترتبة عليه متمايزة في أنفسها مستقلة بأحكام مقتضية لإفرادها بأسماء خاصة وعرض له بالقياس إلى كل اثر من تلك الآثار إضافة خاصة ممتازة عما عداها من الإضافات العارضة له بالقياس إلى سائرها وكانت تلك الآثار تابعة له في التحقق غير منفكة عنه أصلا إذ لا مؤثر لها سوى فاعله عدت من متمماته واعتبرت الإضافة العارضة له بحسبها داخلة في مدلوله كالاعتماد المتعلق بالجسم مثلا وضع له باعتبار الإضافة العارضة له من انكسار ذلك الجسم الذي هو أثر خاص لذلك الاعتماد اسم الكسر وباعتيار الإضافة العارضة له من انقطاعه الذي هو أثر آخر له اسم القطع إلى غير ذلك من الإضافات العارضة له بالقياس إلى آثاره اللازمة له وهذا أمر مطرد في آثاره الطبيعية وأما الآثار التي له مدخل في وجودها في الجملة من غير إيجاب لها تترتب عليه تارة وتفارقه أخرى بحسب وجود أسبابها الموجبة لها وعدمها كالآثار الاختيارية الصادرة عن مؤثراتها بواسطة كونه داعيا إليها فحيث كانت تلك الآثار مستقلة في أنفسها مستندة إلى مؤثراتها غير لازمة له لزوم الآثار الطبيعية التابعة له لم تعد من متمماته ولم تعتبر الإضافة العارضة له بحسبها داخله في مدلولة كالإضافة العارضة للأمر بحسب امتثال المأمور والإضافة العارضة للدعوة بحسب إجابة المدعو فإن الامتثال والإجابة وإن عدا من آثار الأمر والدعوة باعتبار ترتبهما عليهما غالبا لكنهما حيث كانا فعلين اختياريين للمأمور والمدعو مستقلين في أنفسهما غير لازمين للأمر والدعوة لم يعدا من متمماتهما ولم يعتبر الإضافة العارضة لهما بحسبهما داخلة في مدلول اسم الأمر والدعوة بل جعلا عبارة عن نفس الطلب المتعلق بالمأمور والمدعو سواء وجد الامتثال والإجابة أولا إذا تمهد هذا فنقول كما ان الامتثال والإجابة فعلان مستقلان في أنفسهما صادران عن المدعو والمأمور باختيارهما غير لازمين للأمر والدعوة لزوم الآثار الطبيعية التابعة للأفعال الموجبة لها وإن كانا مترتبين عليهما في الجملة كذلك هدى المهدى أي توجهه إلى ما ذكر من المسلك فعل مستقل له صادر عنه باختياره غير لازم للهداية أعنى التوجيه إليه لزوم ما ذكر من الآثار الطبيعية وأن كان مترتبا عليها في الجملة فلما لم يعدا من متممات الأمر والدعوة ولم يعتبر الإضافة العارضة لهما بحسبهما داخلة في مدلولهما علم أنه لم يعد الهدى اللازم من متممات الهداية ولم يعتبر الإضافة العارضة لها بحسبه داخلة في مدلولها إن قيل ليس الهدى بالنسبة إلى الهداية كالامتثال والإجابة بالقياس إلى أصليهما فإن تعلق الأمر والدعوة بالمأمور والمدعو لا يقتضى إلا اتصافهما بكونهما مأمورا ومدعوا وليس من ضرورته اتصافهما بالامتثال والإجابة إذ لا تلازم بينهما وبين الأولين أصلا بخلاف الهدى بالنسبة إلى الهداية فإن تعلقها بالمهدى يقتضى اتصافه به لأن تعلق الفعل المتعدى المبنى للفاعل بمفعوله يدل على اتصافه بمصدره المأخوذ من المبني للمفعول قطعا وهو مستلزم لاتصافه بمصدر الفعل اللازم وهل هو الاعتبار وجود اللازم في مدلول المتعدى حتما قلنا كما أن تعلق الأمر والدعوة بالمأمور والمدعو لا يستدعى الا اتصافهما بما ذكر
(٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271