جعله مجازا من الوثوق وهو واقع موقع المفعول به وإما مصدر على حالة كالغيبة متعلقة بمحذوف وقع حالا من الفاعل كما في قوله تعالى «الذين يخشون ربهم بالغيب» وقوله تعالى «ليعلم أني لم أخنه بالغيب» أي يؤمنون متلبسين بالغيبة اما عن المؤمن به أي غائبين عن النبي صلى الله عليه وسلم غير مشاهدين لما فيه من شواهد النبوة لما روى أن أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه ذكروا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإيمانهم فقال رضي الله عنه أن أمر محمد عليه الصلاة والسلام كان بينا لمن رآه والذي لا اله غيره ما آمن مؤمن أفضل من الإيمان بغيب ثم تلا هذه الآية وإما عن الناس أي غائبين عن المؤمنين لا كالمنافقين الذين إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا أنا معكم وقيل المراد بالغيب القلب لأنه مستور والمعنى يؤمنون بقلوبهم لا كالذين يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم فالباء حينئذ للآلة وترك ذكر المؤمن به على التقادير الثلاثة إما للقصد إلى أحداث نفس الفعل كما في قولهم فلان يعطى ويمنع أي يفعلون الإيمان وإما للاكتفاء بما سيجيء فإن الكتب الإلهية ناطقة بتفاصيل ما يجب الايمان به «ويقيمون الصلاة» إقامتها عبارة عن تعديل أركانها وحفظها من أن يقع في شئ من فرائضها وسننها وآدابها زيغ من أقام العود إذا قومه وعدله وقيل عن المواظبة عليها مأخوذ من قامت السوق إذا نفقت وأقمتها إذا جعلهتا نافقة فإنها إذا حوفظ عليها كانت كالنافق الذي يرغب فيه وقيل عن التشمر لأدائها عن غير فتور ولا توان من قولهم قام بالأمر وإقامة إذا جد فيه واجتهد وقيل عن أدائها عبر عنه بالإقامة لاشتماله على القيام كما عبر عنه بالقنوت الذي هو القيام وبالركوع والسجود والتسبيح والأول هو الأظهر لأنه أشهر وإلى الحقيقة أقرب والصلاة فعلة من صلى إذا دعا كالزكاة من زكى وإنما كتبتا بالواو مراعاة للفظ المفخم وإنما سمى الفعل المخصوص بها لاشتماله على الدعاء وقيل أصل صلى حرك الصلوين وهما العظمان الناتئان في أعلى الفخذين لأن المصلى يفعله في ركوعه وسجوده واشتهار اللفظ في المعنى الثاني دون الأول لا يقدح في نقله عنه وإنما سمى الداعي مصليا تشبيها له في تخشعه بالراكع والساجد «ومما رزقناهم ينفقون» الرزق في اللغة العطاء ويطلق على الحظ المعطي نحو ذبح ورعي للمذبوح والمرعي وقيل هو بالفتح مصدر وبالكسر اسم وفي العرف ما ينتفع به الحيوان والمعتزلة لما أحالوا تمكين الله تعالى من الحرام لأنه منع من الانتفاع به وأمر بالزجر عنه قالوا الرزق لا يتناول الحرام ألا يرى أنه تعالى أسند الرزق إلى ذاته إيذانا بأنهم ينفقون من الحلال الصرف فإن إنفاق الحرام بمعزل من إيجاب المدح وذم المشركين على تحريم بعض ما رزقهم الله تعالى بقوله «قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا» وأصحابنا جعلوا الاسناد المذكور للتعظيم والتحريض على الانفاق والذم لتحريم ما لم يحرم واختصاص ما رزقناهم بالحلال للقرينة وتمسكوا لشمول الرزق لهما بما روى عنه عليه السلام في حديث عمرو بن قرة حين أتاه فقال يا رسول الله إن الله كتب علي الشقوة فلا أرى أرزق إلا من دفى بكفي فأذن لي في الغناء من غير فاحشة من أنه قال عليه السلام لا إذن لك ولا كرامة ولا تعمة كذبت أي عدو الله والله لقد رزقك الله حلالا طيبا فاخترت ما حرم الله عليك من رزقه مكان ما أحل الله لك من حلاله وبأنه لو لم يكن الحرام رزقا لم يكن المتغذي به طول عمره مرزوقا وقد قال الله تعالى «وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها» والانفاق والانفاد أخوان خلا أن
(٣١)