تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٣٠
من المعاني وصرفه عن سننه المسلوك ينبئ عن اهتمام جديد بشأنه من المتكلم ويستجلب مزيد رغبة فيه من المخاطب إن قيل لا ريب في أن حال الموصول عند كونه خبرا لمبتدأ محذوف كحاله عند كونه مبتدأ خبره أولئك على هدى في أنه ينسبك به جملة اسمية مفيدة لاتصاف المتقين بالصفات الفاضلة ضرورة أن كلا من الضمير المحذوف والموصول عبارة عن المتقين وإن كلا من اتصافهم بالإيمان وفروعه وإحرازهم للهدى والفلاح من النعوت الجليلة فما السر في أنه جعل ذلك في الصورة الأولى من توابع المتقين وعد الوقف غير تام وفي الثانية مقتطعا عنه وعد الوقف تاما قلنا السر في ذلك أن المبتدأ في الصورتين وإن كان عبارة عن المتقين لكن الخبر في الأولى لما كان تفصيلا لما تضمنه المبتدأ إجمالا حسبما تحققته معلوم الثبوت له بلا اشتباه غير مفيد للسامع سوى فائدة التفصيل والتوضيح نظم ذلك في سلك الصفات مراعاة لجانب المعنى وإن سمى قطعا مراعاة لجانب كيف لا وقد اشتهر في الفن أن الخبر إذا كان معلوم الانتساب إلى المخبر عنه حقه أن يكون وصفا له كما أن الوصف إذا لم يكن معلوم الانتساب إلى الموصوف حقه أن يكون خبرا له حتى قالوا إن الصفات قبل العلم بها أخبار والأخبار بعد العلم بها صفات وأما الخبر في الثانية فحيث لم يكن كذلك بل كان مشتملا على مالا ينبئ عنه المبتدأ من المعاني اللائقة كما ستحيط به خبرا مفيدا للمخاطب فوائد رائقة جعل ذلك مقتطعا عما قبله محافظة على الصورة والمعنى جميعا والإيمان إفعال من الأمن المتعدى إلى واحد يقال آمنته وبالنقل تعدى إلى اثنين يقال آمننيه غيرى ثم استعمل في التصديق لأن المصدق يؤمن المصدق أي يجعله أمينا من التكذيب والمخالفة واستعماله بالباء لتضمينه معنى الاعتراف وقد يطلق على الوثوق فإن الواثق يصير ذا أمن وطمأنينة ومنه ما حكى عن العرب ما آمنت أن أجد صحابة أي ما صرت ذا أمن وسكون وكلا الوجهين حسن ههنا وهو في الشرع لا يتحقق بدون التصديق بما علم ضرورة أنه من دين نبينا عليه الصلاة والسلام كالتوحيد والنبوة والبعث والجزاء ونظائرها وهل هو كاف في ذلك أو لابد من انضمام الإقرار إليه للمتمكن منه والأول رأي الشيخ الأشعري ومن شايعه فإن الإقرار عنده منشأ لاجراء الأحكام والثاني مذهب أبي حنيفة ومن تابعه وهو الحق فإنه جعلهما جزأين له خلا أن الإقرار ركن محتمل للسقوط بعذر كما عند الإكراه وهو مجموع ثلاثة أمور اعتقاد الحق والإقرار به والعمل بموجبه عند جمهور المحدثين والمعتزلة والخوارج فمن أخل بالاعتقاد وحده فهو منافق ومن أخل بالإقرار فهو كافر ومن أخل بالعمل فهو فاسق اتفاقا وكافر عند الخوارج وخارج عن الايمان غير داخل في الكفر عند المعتزلة وقرئ يؤمنون بغير همزة والغيب إما مصدر وصف به الغائب مبالغة كالشهادة في قوله تعالى «عالم الغيب والشهادة» أو فيعل خفف كقيل في قيل وهين في هين وميت في ميت لكن لم يستعمل فيه الأصل كما استعمل في نظائره وأيا ما كان فهو ما غاب عن الحس والعقل غيبة كاملة بحيث لا يدرك بواحد منهما ابتداء بطريق البداهة وهو قسمان قسم لا دليل عليه وهو الذي أريد بقوله سبحانه «وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو» وقسم نصب عليه دليل كالمصانع وصفاته والنبوات وما يتعلق بها من الأحكام والشرائع واليوم الآخر وأحواله من البعث والنشور والحساب والجزاء وهو المراد ههنا فالباء صلة للإيمان أما بتضمينه معنى الاعتراف أو
(٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271