تكفي الرجل لشربه وأدواته ودوابه واما الذين شربوا منه فقد اسودت شفاههم وغلبهم العطش «فشربوا منه» عطف على مقدر يقتضيه المقام أي فابتلوا به فشربوا منه «إلا قليلا منهم» وهو المشار إليهم فيما سلف بالاستثناء من تولى وقرئ إلا قليل منهم ميلا إلى جانب المعنى وضربا عن عدوة اللفظ جانبا فإن قوله تعالى فشربوا منه في قوة أن يقال فلم يطيعوه فحق أن يرد المستثني مرفوعا كما في قول الفرزدق * وعض الزمان يا ابن مروان لم يدع * من المال إلا مسحت أو مجلف * فإن قوله لم يدع في حكم لم يبق «فلما جاوزه» أي النهر «هو» أي طالوت «والذين آمنوا معه» عطف على الضمير المتصل المؤكد بالمنفصل والظرف متعلق بجاوز لا بآمنوا وقيل الواو حالية والظرف متعلق بمحذوف وقع خبرا من الموصول كأنه قيل فلما جاوزه والحال أن الذين آمنوا كائنون معه وهم أولئك القليل وفيه إشارة إلى أن من عداهم بمعزل من الإيمان «قالوا» أي بعض من معه من المؤمنين لبعض «لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده» أي بمحاربتهم ومقاومتهم فضلا عن أن يكون لنا غلبة عليهم لما شاهدوا منهم من الكثرة والشدة قيل كانوا مائة ألف مقاتل شاكي السلاح «قال» استئناف مبنى على السؤال كأنه قيل فماذا قال مخاطبهم فقيل قال «الذين يظنون أنهم ملاقوا الله» قيل أي الخلص منهم الذين يتيقنون لقاء الله تعالى بالبعث ويتوقعون ثوابه وإفرادهم بذلك الوصف لا ينافي إيمان الباقين فإن درجات المؤمنين في التيقن والتوقع متفاوتة أو الذين يعلمون أنهم يستشهدون عما قريب فيلقون الله تعالى وقيل الموصول عبارة عن المؤمنين كافة والضمير في قالوا للمنخذلين عنهم كأنهم قالوه اعتذارا عن التخلف والنهر بينهما «كم من فئة» أي فرقة وجماعة من الناس من فأوت رأسه إذا شققتها أو من فاء إليه إذا رجع فوزنها على الأول فعه وعلى الثاني فلة «قليلة غلبت فئة كثيرة» وكم خبرية كانت أو استفهامية مفيدة للتكثير وهي في حيز الرفع بالابتداء خبرها غلبت أي كثير من الفئات القليلة غلبت الفئات الكثيرة «بإذن الله» أي بحكمه وتيسيره فإن دوران كافة الأمور على مشيئته تعالى فلا يذل من نصره وإن قل عدده ولا يعز من خذله وإن كثر أسبابه وعدده وقد روعى في الجواب نكتة بديعة حيث لم يقل أطاقت بفئة كثيرة حسبما وقع في كلام أصحابهم مبالغة في رد مقالتهم وتسكين قلوبهم وهذا كما ترى جواب ناشئ من كمال ثقتهم بنصر الله تعالى وتوفيقه ولا دخل في ذلك لظن لقاء الله تعالى بالبعث لا سيما بالاستشهاد فإن العلم به ربما يورث اليأس من الغلبة ولا لتوقع ثوابه تعالى ولا ريب في أن ما ذكر في حيز الصلة ينبغي ان يكون مدارا للحكم الوارد على الموصول فلا أقل من أن يكون وصفا ملائما له فلعل المراد بلقائه تعالى لقاء نصره وتأييده عبر عنه بذلك مبالغة كما عبر عن مقارنة نصره تعالى بمقارنته سبحانه حيث قيل «والله مع الصابرين» فإن المراد به معية نصره وتوفيقه حتما وحملها على المعية بالإثابة كما فعل يأباه أنهم إنما قالوه تتميما لجوابهم وتأكيدا له بطريق الاعتراض التذييلي تشجيعا لأصحابهم وتثبيتا لهم على الصبر المؤدى إلى الغلبة ولا تعلق له بما ذكر من المعية بالإثابة قطعا وكذا الحال إذا جعل ذلك ابتداء كلام من جهة الله تعالى جئ به تقريرا لكلامهم والمعنى قال الذين يظنون أو يعلمون من جهة النبي أو من جهة التابوت والسكينة أنهم ملاقو نصر العزيز كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله تعالى فنحن نغلب جالوت وجنوده وإيراد خبر أن اسما مع أن اللقاء
(٢٤٣)