وأربعين نفسا وضربوا عليهم الجزية وأخذوا توراتهم «فلما كتب عليهم القتال» بعد سؤال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وبعث الملك «تولوا» أي اعرضوا وتخلفوا لكن لا في ابتداء الأمر بل بعد مشاهدة كثرة العدو وشوكته كما سيجئ تفصيله وإنما ذكر ههنا مآل أمرهم إجمالا إظهار لما بين قولهم وفعلهم من التنافي والتباين «إلا قليلا منهم» وهم الذين اكتفوا بالغرفة من النهر وجاوزوه وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر بعدد أهل بدر «والله عليم بالظالمين» وعيد لهم على ظلمهم بالتولي عن القتال وترك الجهاد وتنافي أقوالهم وأفعالهم والجملة اعتراض تذييلي «وقال لهم نبيهم» شروع في تفصيل ما جرى بينه عليه السلام وبينهم من الأقوال والأفعال إثر الإشارة الإجمالية إلى مصير حالهم أي قال لهم بعد ما أوحى إليه ما أوحى «إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا» طالوت علم عبرى كداود وجعله فعلوتا من الطول يأباه منع صرفه وملكا حال منه روى أنه عليه السلام لما دعا ربه أن يجعل لهم ملكا أتى بعصا يقاس بها من يملك عليهم فلم يساوها إلا طالوت «قالوا» استئناف كما مر «أنى يكون له الملك علينا» أي من أين يكون أو كيف يكون ذلك «ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال» الواو الأولى حالية والثانية عاطفة جامعة للجملتين في الحكم أي كيف يتملك علينا والحال أنه لا يستحق التملك لوجود من هو أحق منه ولعدم ما يتوقف عليه الملك من المال وسبب هذا الاستبعاد ان النبوة كانت مخصوصة بسبط معين من أسباط بنى إسرائيل وهو سبط لاوى بن يعقوب عليه السلام وسبط المملكة بسبط يهودا ومنه داود وسليمان عليهما السلام ولم يكن طالوت من أحد هذين السبطين بل من ولد بنيامين قيل كان راعيا وقيل دباغا وقيل سقاء «قال إن الله اصطفاه عليكم» لما استبعدوا تملكة بسقوط نسبه وبفقره رد عليهم ذلك أولا ملاك الأمر هو اصطفاء الله تعالى وقد اختاره عليكم وهو أعلم بالمصالح منكم وثانيا بان العمدة فيه وفور العلم ليتمكن به من معرفة أمور السياسة وجسامة البدن ليعظم خطره في القلوب ويقدر على مقاومة الأعداء ومكابدة الحروب وقد خصه الله تعالى منهما بحظ وافر وذلك قوله عز وجل «وزاده بسطة في العلم» أي العلم المتعلق بالملك أو به وبالديانات أيضا وقيل قد أوحى إليه ونبئ «والجسم» قيل بطول القامة فإنه كان أطول من غيره برأسه ومنكبيه حتى أن الرجل القائم كان يمد يده فينال رأسه وقيل بالجمال وقيل بالقوة «والله يؤتي ملكه من يشاء» لما انه مالك الملك والملكوت فعال لما يريد فله أن يؤتيه من يشاء من عبادة «والله واسع» يوسع على الفقير ويغنيه «عليم» بمن يليق بالملك ممن لا يليق به وإظهار الاسم الجليل لتربية المهابة
(٢٤٠)