تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ١٥٧
على إذ ابتلى على أن العامل فيه هو العامل فيه أو مضمر مستقل معطوف على المضمر الأول والجعل إما بمعنى التصيير فقوله عز وجل «مثابة» أي مرجعا يثوب إليه الزوار بعد ما تفرقوا عنه أو أمثالهم أو موضع ثواب يثابون بحجه واعتماره مفعولة الثاني وإما بمعنى الإبداع فهو حال من مفعول واللام في قوله تعالى «للناس» متعلقة بمحذوف وقع صفة لمثابة أي كائنة للناس أو بجعلنا أي جعلناه لأجل الناس وقرئ مثابات باعتبار تعدد الثائبين «وأمنا» أي آمنا كما في قوله تعالى حرما آمنا على إيقاع المصدر موقع اسم الفاعل للمبالغة أو على تقدير المضاف أي ذا أمن أو على الإسناد المجازي أي آمنا من حجه من عذاب الآخرة من حيث إن الحج يجب ما قبله أو من دخله من التعرض له بالعقوبة وإن كان جانيا حتى يخرج على ما هو رأى أبي حنفية ويجوز أن يعتبر الأمن بالقياس إلى كل شئ كائنا ما كان ويدخل فيه أمن الناس دخولا أوليا وقد اعتيد فيه أمن الصيد حتى إن الكلب كان يهم بالصيد خارج الحرم فيفر منه وهو يتبعه فإذا دخل الصيد الحرم لم يتبعه الكلب «واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى» على إرادة قول هو عطف على جعلنا أو حال من فاعله أي وقلنا أو قائلين لهم اتخذوا الخ وقيل هو بنفسه معطوف على الأمر الذي يتضمنه قوله عز وجل مثابة للناس كأنه قيل ثوبوا إليه واتخذوا الخ وقيل على المضمر العامل في إذ وقيل هي جملة مستأنفة والخطاب على الوجوه الأخيرة له عليه السلام ولأمته والأول هو الأليق بجزالة النظم الكريم والأمر صريحا كان أو مفهوما من الحكاية للاستحباب ومن تبعيضه والمقام اسم مكان وهو الحجر الذي عليه أثر قدمه عليه السلام والموضع الذي كان عليه حين قام ودعا الناس إلى الحج أوحين رفع قواعد البيت وهو موضعه اليوم والمراد بالمصلى إما موضع الصلاة أو موضع الدعاء روى أنه صلى الله عليه وسلم أخذ بيد عمر رضي الله عنه فقال هذا مقام إبراهيم فقال رضي الله عنه أفلا نتخذه مصلى فقال لم أومر بذلك فلم تغب الشمس حتى نزلت وقيل المراد به الأمر بركعتي الطواف لما روى جابر رضي الله عنه أنه عليه السلام لما فرغ من طوافه عمد إلى مقام إبراهيم فصلى خلفة ركعتين وقرأ واتخذوا على صيغة الماضي عطفا على جعلنا أي واتخذ الناس من مكان إبراهيم الذي وسم به لاهتمامه به وإسكان ذريته عنده قبله يصلون إليها «وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل» أي أمرناهما أمرا مؤكدا «أن طهرا بيتي» بأن طهراه على أن أن المصدرية حذف عنها الجار حذفا مطردا لجواز كون صلتها أمرا ونهيا كما في قوله عز وجل وأن أقم وجهك للدين حنيفا لأن مدار جواز كونها فعلا إنما هو دلالته على المصدر وهي متحققة فيهما ووجوب كونها خبرية في صلة الموصول الأسمى إنما هو لتوصل إلى وصف المعارف بالجمل وهي لا يوصف بها إلا إذا كانت خبرية وأما الموصول الحرفي فليس كذلك ولما كان الخبر والإنشاء في الدلالة على المصدر سواء ساغ وقوع الأمر والنهى صلة حسب وقوع الفعل فيتجرد عند ذلك معنى الأمر والنهى نحو تجرد الصلة الفعلية عن معنى المضي والاستقبال أو أي طهراه على أن أن مفسرة لتضمين العهد معنى القول وإضافة البيت إلى ضمير الجلالة للتشريف وتوجيه الأمر بالتطهير ههنا اليهما عليهما السلام لا ينافي سورة الحج من تخصيصه بإبراهيم
(١٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271