تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ١٥١
بدوامها وطول بقائها عما يجرى مجرى الولد من الحيوان أي ليس الأمر كما زعموا بل هو خالق جميع الموجودات التي من جملتها عزيز والمسيح والملائكة «كل» التنوين عوض عن المضاف إليه أي كل ما فيهما كائنا ما كان من أولى العلم وغيرهم «له قانتون» منقادون لا يستعصى شئ منهم على تكوينه وتقديره ومشيئته ومن كان هذا شأنه لم يتصور مجانسته لشئ ومن حق الولد أن يكون من جنس الوالد وإنما جيء بما المختصة بغير أولى العلم تحقيرا لشأنهم وإيذانا بكمال بعدهم عما نسبوا إلى بعض منهم وصيغة جمع العقلاء في قانتون للتغليب أو كل من جعلوه لله تعالى ولدا له قانتون أي مطيعون عابدون له معترفون بربوبيته تعالى كقوله تعالى «أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة» «بديع السماوات والأرض» أي مبدعهما ومخترعهما بلا مثال يحتذيه ولا قانون ينتجه فإن البديع كما يطلق على المبتدع يطلق على المبدع نص عليه أساطين أهل اللغة وقد جاء بدعه كمنعه بمعنى أنشأه كابتدعه كما ذكر في القاموس وغيره ونظيره السميع بمعنى المسمع في قوله أمن ريحانة الداعي السميع وقيل هو من إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها للتخفيف بعد نصبه على تشبيهها باسم الفاعل كما هو المشهور أي بديع سماواته من بدع إذا كان على شكل فائق وحسن رائق وهو حجة أخرى لإبطال مقالتهم الشنعاء تقريرها أن الوالد عنصر الولد المنفعل بانفصال مادته عنه والله سبحانه مبدع الأشياء كلها على الإطلاق منزه عن الانفعال فلا يكون والدا ورفعه على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي هو بديع الخ وقرئ بالنصب على المدح وبالجر على انه بدل من الضمير في له على رأي من يجوز الإبدال من الضمير المجرور كما في قوله * على جوده لضن بالماء حاتم * «وإذا قضى أمرا» أي أراد شيئا كقوله تعالى إنما أمره إذا أراد شيئا وأصل القضاء الأحكام أطلق على الإرادة الإلهية المتعلقة بوجود الشئ لإيجابها إياه البتة وقيل الأمر ومنه قوله تعالى «وقضى ربك» الخ «فإنما يقول له كن فيكون» كلاهما من الكون التام أي أحدث فيحدث وليس المراد به حقيقة الأمر والامتثال وإنما هو تمثيل لسهولة تأتي المقدورات بحسب تعلق مشيئته تعالى وتصوير لسرعة حدوثها بما هو علم في الباب من طاعة المأمور المطيع للآمر المطاع وفيه تقرير لمعنى الإبداع وتلويح لحجة أخرى لإبطال ما زعموه بأن اتخاذ الولد شأن من يفتقر في تحصيل مراده إلى مباد يستدعى ترتيبها مرور زمان وتبدل أطوار وفعله تعالى متعال عن ذلك «وقال الذين لا يعلمون» حكاية لنوع آخر من قبائحهم وهو قدحهم في أمر النبوة بعد حكاية قدحهم في شأن التوحيد بنسبة الولد إليه سبحانه وتعالى واختلف في هؤلاء القائلين فقال ابن عباس رضي الله عنهما اليهود وقال مجاهد هم النصارى ووصفهم بعدم العلم لعدم علمهم بالتوحيد والنبوة كما ينبغي أو لعدم علمهم بموجب عملهم أو لأن ما يحكى عنهم لا يصدر عمن له شائبة علم أصلا وقال قتادة
(١٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271