تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ١٤٧
والتحريف على وجهها بل أنفسهم على ما هم عليه لأنهم انما يقولونه لإضلال المؤمنين وردهم إلى الكفر والهود جمع هائد كعوذ جمع عائذ وبزل جمع بازل والافراد في كان باعتبار لفظ من والجمع في خبره باعتبار معناه وقرئ الا من كان يهوديا أو نصرانيا «تلك أمانيهم» الأماني جميع أمنية وهي ما يتمنى كالأعجوبة والأضحوكة والجملة معترضة مبنية لبطلان ما قالوا وتلك إشارة اليه والجمع باعتبار صدوره عن الجميع وقيل فيه حذف مضاف أي أمثال تلك الأمنية أمانيهم وقيل تلك إشارة اليه والى ما قبله من أن لا ينزل على المؤمنين خير من ربهم وأن يردهم كفارا ويرده قوله تعالى «قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين» فإنهما ليسا مما يطلب له البرهان ولا مما يحتمل الصدق والكذب قيل هاتوا أصله آتوا قلبت الهمزة هاء أي أحضروا حجتكم على اختصاصكم بدخول الجنة ان كنتم صادقين في دعواكم هذا ما يقتضيه المقام بحسب النظر الجليل والذي يستدعيه اعجاز التنزيل ان يحمل الأمر التبكيتي على طلب البرهان على أصل الدخول الذي يتضمنه دعوى الاختصاص به فإن قوله تعالى «بلى» الخ اثبات من جهته تعالى لما نفوه مستلزم لنفي ما أثبتوه وإذ ليس الثابت به مجرد دخول غيرهم الجنة ولو معهم ليكون المنفي مجرد اختصاصهم به مع بقاء أصل الدخول على حاله بل هو اختصاص غيرهم بالدخول كما ستعرفه بإذن الله تعالى ظهر أن المنفي أصل دخولهم ومن ضرورته أن يكون هو الذي كلفوا إقامة البرهان عليه لا اختصاصهم به ليتحد مورد الاثبات والنفي وانما عدل عن ابطال ما ادعوه وسلك هذا المسلك إبانة لغاية حرمانهم مما علقوا به أطماعهم واظهار لكمال عجزهم عن اثبات مدعاهم لأن حرمانهم من الاختصاص بالدخول وعجزهم عن إقامة البرهان عليه لا يقتضيان حرمانهم من أصل الدخول وعجزهم عن اثباته واما نفس الدخول فحيث ثبت حرمانهم منه وعجزهم عن اثباته فهم من الاختصاص به أبعد وعن اثباته أعجز وانما الفائز به من انتظمه قوله سبحانه «من أسلم وجهه لله» أي اخلص نفسه له تعالى لا يشرك به شيئا عبر عنها بالوجه لأنه أشرف الأعضاء ومجمع المشاعر وموضع السجود ومظهر آثار الخضوع الذي هو من أخص خصائص الاخلاص أو توجهه وقصده بحيث لا يلوي عزيمته إلى شيء غيره «وهو محسن» حال من ضمير أسلم أي والحال أنه محسن في جميع اعماله التي من جملتها الاسلام المذكور وحقيقة الاحسان الاتيان بالعمل على الوجه اللائق وهو حسنه الوصفي التابع لحسنه الذاتي وقد فسره صلى الله عليه وسلم بقوله أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك «فله أجره» الذي وعده له على عمله وهو عبارة عن دخول الجنة أو عما يدخل هو فيه دخولا أوليا وأياما كان فتصويره بصورة الاجر للإيذان بقوة ارتباطه بالعمل واستحالة نيله بدونه وقوله تعالى «عند ربه» حال من أجره والعامل فيه معنى الاستقرار في الظرف والعندية للتشريف ووضع اسم الرب مضافا إلى ضمير من اسلم موضع ضمير الجلالة لإظهار مزيد اللطف به وتقرير مضمون الجملة أي فله أجره
(١٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271