تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ١٥٥
السرياني والعربي الا يرى أن إبراهيم تفسيره أب راحم ولذلك جعل هو وزوجته سارة كافلين لأطفال المؤمنين الذين يموتون صغارا إلى يوم القيامة على ما روى البخاري في حديث الرؤيا أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في الروضة إبراهيم عليه السلام وحوله أولاد الناس وهو مفعول مقدم لإضافة فاعله إلى ضميره والتعرض لعنوان الربوبية تشريف له عليه السلام وإيذان بأن ذلك الابتلاء تربية له وترشيح لأمر خطير والمعنى عامله سبحانه معاملة المختبر حيث كلفه أوامر ونواهي يظهر بحسن قيامه بحقوقها قدرته على الخروج عن عهدة الإمامة العظمى وتحمل أعباء الرسالة وهذه المعاملة وتذكيرها للناس لإرشادهم إلى طريق إتقان الأمور ببنائها على التجربة وللإيذان بأن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم أيضا مبنية على تلك القاعدة الرصينة واقعة بعد ظهور استحقاقه عليه السلام للنبوة العاملة كيف لا وهي التي أجيب بها دعوة إبراهيم عليه السلام كما سيأتي واختلف في الكلمات فقال مجاهد هي المذكورة بعدها ورد بأنه يأباه الفاء في فأتمهن ثم الاستئناف وقال طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما هي عشر خصال كانت فرضا في شرعه وهن سنة في شرعنا خمس في الرأس المضمضة والاستنشاق وفرق الرأس وقص الشارب والسواك وخمس في البدن الختان وحلق العانة ونتف الإبط وتقليم الأظفار والاستنجاء بالماء وفي الخبر أن إبراهيم عليه السلام أول من قص الشارب وأول من اختتن وأول من قلم الأظفار وقال عكرمة عن ابن عباس لم يبتل أحد بهذا الدين فأقامه كله إلا إبراهيم ابتلاه الله تعالى بثلاثين خصلة من خصال الإسلام عشر منها في سورة براءة التائبون الخ وعشر في الأحزاب إن المسلمين والمسلمات الخ وعشر في المؤمنون وسأل سائل إلى قوله عز وجل والذين هم على صلاتهم يحافظون وقيل ابتلاه الله سبحانه بسبعة أشياء بالشمس والقمر والنجوم والاختتان على الكبر والنار وذبح الولد والهجرة فوفى بالكل وقيل هن محاجته قومه والصلاة والزكاة والصوم والضيافة والصبر عليها وقيل هي مناسك كالطواف والسعي والرمي والإحرام والتعريف وغيرهن وقيل هي قوله عليه السلام «الذي خلقني فهو يهدين» الآيات ثم قيل إنما وقع هذا الابتلاء قبل النبوة وهو الظاهر وقيل بعدها لأنه يقتضي سابقة الوحي وأجيب بأن مطلق الوحي لا يستلزم البعثة إلى الخلق وقرئ برفع إبراهيم ونصب ربه أي دعاه بكلمات من الدعاء فعل المختبر هل يجيبه إليهن أولا «فأتمهن» أي قام بهن حق القيام وأداهن أحسن التأدية من غير تفريط وتوان كما في قوله تعالى «وإبراهيم الذي وفى» وعلى القراءة الأخيرة فأعطاه الله تعالى ما سأله من غير نقص ويعضده ما روى عن مقاتل أنه فسر الكلمات بما سأل إبراهيم ربه بقوله رب اجعل الآيات وقوله عز وجل «قال» على تقدير انتصاب إذ بمضمر جملة مستأنفة وقعت جوابا عن سؤال نشأ من الكلام فإن الابتلاء تمهيد لأمر معظم وظهور فضيلة المبتلي من دواعي الإحسان اليه فبعد حكايتها تترقب النفس إلى ما وقع بعدهما كأنه قيل فماذا كان بعد ذلك فقيل قال «إني جاعلك للناس إماما» أو بيان لقوله تعالى ابتلى على رأي من جعل الكلمات عبارة عما ذكر أثره من الإمامة وتطهير البيت ورفع قواعده وغير ذلك وعلى تقدير انتصاب إذ بقال فالجملة معطوفة على ما قبلها عطف القصة على القصة والواو في المعنى داخلة على قال أي وقال ابتلى الخ والجعل بمعنى التصيير أحد مفعوليه الضمير والثاني إماما واسم الفاعل بمعنى المضارع وأوكد منه لدلالته على انه جاعل
(١٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271