المهاجرون تركوا الديار والأموال والأهلين والعشائر وخرجوا حبا لله ولرسوله واختاروا الاسلام على ما كان فيه من شدة حتى لقد ذكر لنا ان الرجل كان يعصب الحجر على بطنه ليقيم به صلبه من الجوع وان كان الرجل ليتخذ الحفرة في الشتاء ماله دثار غيرها * قوله تعالى (والذين تبوؤا الدار والايمان) * أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله والذين تبوؤا الدار والايمان إلى آخر الآية قال هم هذا الحي من الأنصار أسلموا في ديارهم وابتنوا المساجد قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين وأحسن الله عليهم الثناء في ذلك وهاتك الطائفتان الأولتان من هذه الآية أخذتا بفضلهما ومضتا على مهلهما وأثبت الله حظهما في هذا الفئ ثم ذكر الطائفة الثالثة فقال والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا إلى آخر الآية قال انما أمروا ان يستغفر والأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يؤمروا بسبهم * وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد والذين تبوؤا لدار والايمان من قبلهم قال الأنصار نعت سخاوة أنفسهم عند ما رأى من ذلك وايثارهم إياهم ولم يصب الأنصار من ذلك الفئ شئ * وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن يزيد بن الأصم ان الأنصار قالوا يا رسول الله أقسم بيننا وبين إخواننا المهاجرين الأرض نصفين قال لا ولكن يكفونكم المؤنة وتقاسمونهم الثمرة والأرض أرضكم قالوا رضينا فأنزل الله والذين تبوؤا الدار والايمان من قبلهم إلى آخر الآية * وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن قال فضل المهاجرين على الأنصار فلم يجدوا في صدورهم حاجة قال الحسد * وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري وابن مردويه عن عمر انه قال أوصى الخليفة بعدي بالمهاجرين الأولين ان يعرف لهم حقهم ويحفظ لهم حرمتهم وأوصيه بالأنصار الذين تبوؤا الدار والايمان من قبل ان يهاجر النبي صلى الله عليه وسلم ان يقبل من محسنهم ويعفو عن مسيئهم * وأخرج الزبير بن بكار في أخبار المدينة عن زيد بن أسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمدينة عشرة أسماء هي المدينة وهي طيبة وطابة ومسكينة وجابرة ومجبورة وتبدد ويثرب والدار * قوله تعالى (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) أخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر والحاكم وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أتى رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أصابني الجهد فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئا فقال ألا رجل يضيف هذا الليلة رحمه الله تعالى فقال رجل من الأنصار وفي رواية فقال أبو طلحة الأنصاري أنا يا رسول الله فذهب به إلى أهله فقال لامرأته أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخرين شيئا قالت والله ما عندي الا قوت الصبية قال فإذا أراد الصبية العشاء فنوميهم وتعالى فأطفئ السراج ونطوي بطوننا الليلة لضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعلت ثم غدا الضيف على النبي صلى الله عليه وسلم فقال لقد عجب الله من فلان وفلانة وأنزل الله فيهما ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة * وأخرج مسدد في مسنده وابن أبي الدنيا في كتاب قرى الضيف وابن المنذر عن أبو المتوكل الناجي رضي الله عنه ان رجلا من المسلمين مكث صائما ثلاثة أيام يمسي فلا يجد ما يفطر عليه فيصبح صائما حتى فطن له رجل من الأنصار يقال له ثابت بن قيس رضي الله عنه فقال لأهله انى سأجئ الليلة بضيف لي فإذا وضعتم طعامكم فليقم بعضكم إلى السراج كأنه يصلحه فليطفئه ثم اضربوا بأيديكم إلى الطعام كأنكم تأكلون فلا تأكلوا حتى يشبع ضيفنا فلما أمسى ذهب به فوضعوا طعامهم فقامت امرأته إلى السراج كأنها تصلحه فأطفأته ثم جعلوا يضربون أيديهم في الطعام كأنهم يأكلون ولا يأكلون حتى شبع ضيفهم وانما كان طعامهم ذلك خبزة هي قوتهم فلما أصبح ثابت غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا ثابت لقد عجب الله البارحة منكم ومن ضيفكم فنزلت فيه هذه الآية ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة * وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الايمان عن ابن عمر رضي الله عنه قال أهدى لرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأس شاة فقال إن أخي فلانا وعياله أحوج إلى هذا منا فبعث به إليهم فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر حتى تداولها أهل سبعة أبيات حتى رجعت إلى الأول فنزلت ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة * وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل رضي الله عنه في قوله ولو كان بهم خصاصة قال فاقة * قوله تعالى
(١٩٥)