وقوله تعالى (وهل أتاك نبأ الخصم...) الآية مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم واستفتحت بالاستفهام تعجيبا من القصة وتفخيما لها والخصم يوصف به الواحد والاثنان والجمع (وتسوروا) معناه: علوا سوره وهو جمع " سورة " وهي القطعة من البناء وتحتمل هذه الآية أن يكون المستور اثنين فقط فعبر عنهما بلفظ الجمع ويحتمل أن يكون مع كل واحد من الخصمين جماعة و (المحراب) الموضع الأرفع من القصر أو المسجد وهو موضع التعبد وإنما فزع منهم من حيث دخلوا من غير الباب ودون استيذان ولا خلاف بين أهل التأويل أن هذا الخصم إنما كانوا ملائكة بعثهم الله ضرب مثل لداود فاختصموا إليه في نازلة قد وقع هو في نحوها فأفتاهم بفتيا وهي واقعة عليه في نازلته ولما شعر وفهم المراد خر راكعا وأناب واستغفر وأما نازلته التي وقع فيها ففيها للقصاص تطويل فلم نر سوق جميع ذلك لعدم صحته.
وروي في ذلك عن ابن عباس ما معناه أن داود كان في محرابه يتعبد إذ دخل عليه طائر حسن الهيئة فمد يده إليه ليأخذه فزال مطمعا له من موضع إلى موضع حتى اطلع على امرأة لها منظر وجمال فخطر في نفسه أن لو كانت من نسائه وسأل عنها فأخبر أنها امرأة أوريا وكان في الجهاد فبلغه فبلغه أنه استشهد فخطب المرأة وتزوجها فكانت أم سليمان فيما روي عن قتادة فبعث الله الخصم ليفتي قالت فرقة من العلماء وإنما وقعت المعاتبة على همه ولم يقع منه شئ سوى الهم وكان لداود فيما روي تسع وتسعون امرأة وفي كتب بني إسرائيل في هذه القصة صور لا تليق وقد قال علي بن أبي طالب من حدث بما قال هؤلاء القصاص في أمر داود جلدته حدين لما ارتكب من حرمة من رفع الله قدره.
وقوله (خصمان) تقديره: نحن خصما و (بغى) معناه اعتدى واستطال (ولا تشطط) معناه: ولا تتعد في حكمك و (سواء الصراط) معناه وسطه.