وقوله تعالى: (وقال فرعون ذروني أقتل موسى...) الآية الظاهر من أمر فرعون أنه لما بهرتهم آيات موسى عليه السلام أنهد ركنه واضطربت معتقدات أصحابه ولم يفقد منهم من يجاذبه الخلاف في أمره وذلك بين من غير ما موضع من قصتهما وفي هذه الآية على ذلك دليلان:
أحدهما: قوله (ذروني) فليست هذه من ألفاظ الجبابرة المتمكنين من إنفاذ أوامرهم.
والدليل الثاني: مقالة المؤمن وما صدع به وان مكاشفته لفرعون أكثر من مساترته وحكمه بنبوءة موسى أظهر من توريته في أمره وأما فرعون فإنما نحا إلى المخرقة والتمويه والاضطراب ومن ذلك قوله: (ذروني أقتل موسى وليدع ربه) أي أني لا أبالي برب موسى ثم رجع إلى قومه يريهم النصيحة والحماية لهم فقال (إني أخاف أن يبدل دينكم) والدين: السلطان ومنه قول زهير: [البسيط] لئن حللت بحي في بني أسد * وسلم في دين عمرو وحالت بيننا فدك.
وقرأ حمزة والكسائي وعاصم: " أو أن يظهر " وقرأ الباقون " وأن يظهر " فعلى القراءة الأولى خاف فرعون أحد أمرين وعلى الثانية خاف الأمرين معا ولما سمع موسى مقالة فرعون دعا وقال (إني عذت بربي وربكم...) الآية ثم حكى الله سبحانه مقالة رجل مؤمن ومن آل فرعون شرفه بالذكر وخلد ثناؤه في الأمم غابر الدهر قال (ع) سمعت أبي رحمه الله يقول سمعت أبا الفضل ابن الجوهري على المنبر يقول وقد سئل أن يتكلم في شئ من فضائل الصحابة فأطرق قليلا ثم رفع رأسه وأنشد [الطويل]