أي وأشهدكم، لا أنهم كانوا أهل شهادة، ولكنه نهاية للتقرير، أي لتعرفوا (إني برئ مما) أي من عبادة الأصنام التي تعبدونها. (فكيدوني جميعا) أي أنتم وأوثانكم في عداوتي وضري. (ثم لا تنظرون) أي لا تؤخرون. وهذا القول مع كثرة الأعداء يدل على كمال الثقة بنصر الله تعالى. وهو من أعلام النبوة، أن يكون الرسول وحده يقول لقومه:
" فكيدوني جميعا ". وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لقريش. وقال نوح صلى الله عليه وسلم " فاجمعوا أمركم وشركاءكم " (1) [يونس: 71] الآية.
قوله تعالى: (إني توكلت على الله ربى وربكم) أي رضيت بحكمه، ووثقت بنصره.
(ما من دابة) أي نفس تدب على الأرض، وهو في موضع رفع بالابتداء. (إلا هو آخذ بناصيتها) أي يصرفها كيف يشاء، ويمنعها مما يشاء، أي فلا تصلون إلى ضري. وكل ما فيه روح يقال له داب ودابة، والهاء للمبالغة. وقال الفراء: مالكها، والقادر عليها. وقال القتبي: قاهرها، لأن من أخذت بناصيته فقد قهرته. وقال الضحاك: يحييها ثم يميتها، والمعنى متقارب. والناصية قصاص الشعر في مقدم الرأس. ونصوت الرجل أنصوه نصوا أي مددت ناصيته. قال ابن جريج: إنما خص الناصية، لأن العرب تستعمل ذلك إذا وصفت إنسانا بالذلة والخضوع، فيقولون. ما ناصية فلان إلا بيد فلان، ألا إنه مطيع له يصرفه كيف يشاء. وكانوا إذا أسروا أسيرا وأرادوا إطلاقه والمن عليه جزوا ناصيته ليعرفوا بذلك فخرا عليه، فخاطبهم بما يعرفونه في كلامهم. وقال، الترمذي الحكيم في " نوادر الأصول " قوله تعالى: " ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها " وجهه عندنا أن الله تعالى قدر مقادير أعمال العباد، ثم نظر إليها، ثم خلق خلقه، وقدر نفذ بصره في جميع ما هم فيه عاملون من قبل أن يخلقهم، فلما خلقهم وضع نور تلك النظرة في نواصيهم فذلك النور أخذ بنواصيهم، يجريهم إلى أعمالهم المقدرة عليهم يوم المقادير. وخلق الله المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، رواه عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قدر الله المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ". ولهذا