الخامسة - قوله تعالى: (إني أعظك أن تكون من الجاهلين) أي أنهاك عن هذا السؤال، وأحذرك لئلا تكون، أو كراهية أن تكون من الجاهلين، أي الآثمين. ومنه قوله تعالى: " يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا (1) [النور: 17] أي يحذركم الله وينهاكم. وقيل: المعنى أرفعك أن تكون من الجاهلين. قال ابن العربي: وهذه زيادة من الله وموعظة يرفع بها نوحا عن مقام الجاهلين، ويعليه بها إلى مقام العلماء والعارفين، ف (قال) نوح: (رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم) [الآية] (2) وهذه ذنوب الأنبياء عليهم السلام، فشكر الله تذلله وتواضعه.
(وإلا تغفر لي) ما فرط من السؤال. (وترحمني) أي بالتوبة. (أكن من الخاسرين) أي أعمالا. فقال: " يا نوح اهبط بسلام منا ".
قوله تعالى: قيل ينوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم (48) قوله تعالى: (قيل يا نوح اهبط بسلام منا) أي قالت [له] (2) الملائكة، أو قال الله تعالى له: اهبط من السفينة إلى الأرض، أو من الجبل إلى الأرض، فقد ابتلعت الماء وجفت.
" بسلام منا " أي بسلامة وأمن. وقيل: بتحية. (وبركات عليك) أي نعم ثابتة، مشتق من بروك الجمل وهو ثبوته وإقامته. ومنه البركة لثبوت الماء فيها. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: نوح آدم الأصغر، فجميع الخلائق الآن من نسله، ولم يكن معه في السفينة من الرجال والنساء إلا من كان من ذريته، على قول قتادة وغيره، حسب ما تقدم، وفي التنزيل " وجعلنا ذريته هم الباقين " (3) [الصافات: 77]. (وعلى أمم ممن معك) قيل: دخل في هذا كل مؤمن إلى يوم القيامة. ودخل في قوله (وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم) كل كافر إلى يوم القيامة، روي ذلك عن محمد بن كعب. والتقدير على هذا: وعلى ذرية أمم ممن معك، وذرية أمم سنمتعهم. وقيل: " من " للتبعيض، وتكون لبيان الجنس. " وأمم سنمتعهم " ارتفع و " أمم " على معنى وتكون أمم. قال الأخفش سعيد كما تقول: كلمت زيدا وعمرو جالس. وأجاز الفراء في غير القراءة وأمما، وتقديره: ونمتع أمما. وأعيدت " على " مع