قوله تعالى: (وقد مكروا مكرهم) أي بالشرك بالله وتكذيب الرسل والمعاندة، عن ابن عباس وغيره. (وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) " إن " بمعنى " ما " أي ما كان مكرهم لتزول منه الجبال لضعفه ووهنه، " وإن " بمعنى " ما " في القرآن في مواضع خمسة: أحدها هذا. الثاني - " فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك " (1) [يونس: 94]. الثالث - " لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا " (2) [الأنبياء: 17] أي ما كنا. الرابع - " قل إن كان للرحمن ولد " (3) [الزخرف: 81].
الخامس - " ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه " (3) [الأحقاف: 26]. وقرا الجماعة " وإن كان " بالنون.
وقرأ عمرو بن علي وابن مسعود وأبي " وإن كاد " بالدال. والعامة على كسر اللام في " لتزول " على أنها لام الجحود وفتح اللام الثانية نصبا. وقرأ بن محيصن وابن جريج والكسائي " لتزول " بفتح اللام الأول على أنها لام الابتداء ورفع الثانية " وإن " مخففة من الثقيلة، ومعنى هذه القراءة استعظام مكرهم، أي ولقد عظم مكرهم حتى كادت الجبال تزول منه، قال الطبري:
الاختيار القراءة الأولى، لأنها لو كانت زالت لم تكن ثابتة، قال أبو بكر الأنباري: ولا حجة على مصحف المسلمين في الحديث الذي حدثناه أحمد بن الحسين: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع بن الجراح عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن دانيل (4) قال سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: إن جبارا من الجبابرة قال لا انتهى حتى أعلم من في السماوات، فعمد إلى فراخ نسور، فأمر أن تطعم اللحم، حتى اشتدت وعضلت واستعلجت (5) أمر بأن يتخذ تابوت يسع فيه رجلين، وأن يجعل فيه عصا في رأسها لحم شديد حمرته، وأن يستوثق من أرجل النسور بالأوتاد، وتشد إلى قوائم التابوت، ثم جلس هو وصاحب له من التابوت وأثار النسور، فلما رأت اللحم طلبته، فجعلت ترفع التابوت حتى بلغت به ما شاء الله، فقال الجبار لصاحبه: افتح الباب فانظر ما ترى؟ فقال: أرى الجبال كأنها ذباب، فقال:
أغلق الباب، ثم صعدت بالتابوت ما شاء الله أن تصعد، فقال الجبار لصاحبه: افتح الباب فانظر ما ترى؟ فقال: ما أرى إلا السماء وما تزداد منا إلا بعدا، فقال: نكس العصا فنكسها، فانقضت النسور. فلما وقع التابوت على الأرض سمعت له هدة كادت الجبال تزول عن