ثم يقولون: " ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون " (1) [السجدة: 12] فيجيبهم الله تعالى:
" فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون " [السجدة: 14] ثم يقولون: " ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل " فيجيبهم الله تعالى " أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال " فيقولون: " ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل " [فاطر: 37] فيجيبهم الله تعالى: " أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير " (1) [فاطر: 37]. ويقولون: " ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين " [المؤمنون: 106] فيجيبهم الله تعالى: " اخسئوا فيها ولا تكلمون " (2) [المؤمنون: 108] فلا يتكلمون بعدها أبدا، خرجه ابن المبارك في " دقائقه " بأطول من هذا - وقد كتبناه في كتاب " التذكرة " - وزاد في الحديث " وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال.
وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال " [إبراهيم: 44 - 45] قال هذه الثالثة، وذكر الحديث وزاد بعد قوله: " اخسئوا فيها ولا تكلمون " [المؤمنون: 108] فانقطع عند ذلك الدعاء والرجاء، وأقبل بعضهم على بعض ينبح بعضهم في وجه بعضهم في وجه بعض، وأطبقت عليهم، قال: فحدثني الأزهر ابن أبي الأزهر أنه ذكر له أن ذلك قوله: " هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون " (3) [المرسلات: 35 - 36].
قوله تعالى: وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال (45) وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال (46) قوله تعالى: (وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال) أي في بلاد ثمود ونحوها فهلا اعتبرتم بمساكنهم، بعد ما تبين لكم ما فعلنا بهم، وبعد أن ضربنا لكم الأمثال في القرآن. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي " ونبين لكم " بنون والجزم على أنه مستقبل ومعناه الماضي، وليناسب قوله: " كيف فعلنا بهم ".
وقراءة الجماعة، " وتبين " وهي مثلها في المعنى، لأن ذلك لا يتبين لهم إلا بتبيين الله إياهم.