[قاله ابن عباس، أي أنتم شر مكانا ممن نسبتموه إلى هذه السرقة. ومعنى قوله " والله أعلم بما تصفون " (1)] أي الله أعلم أن ما قلتم كذب، وإن كانت لله رضا. وقد قيل: إن إخوة يوسف في ذلك الوقت ما كانوا أنبياء. قوله تعالى: (قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه) خاطبوه باسم العزيز إذ كان في تلك اللحظة بعزل الأول (2) أو موته. وقولهم: " إن له أبا شيخا كبيرا " أي كبير القدر، ولم يريدوا كبر السن، لأن ذلك معروف من حال الشيخ. " فخذ أحدنا مكانه " أي عبدا بدله، وقد قيل: إن هذا مجاز، لأنهم يعلمون أنه لا يصح أخذ حر يسترق بدل من قد أحكمت السنة عندهم رقه، وإنما هذا كما تقول لمن تكره فعله: أقتلني ولا تفعل كذا وكذا، وأنت لا تريد أن يقتلك، ولكنك مبالغ في استنزاله. ويحتمل أن يكون قولهم: " فخذ أحدنا مكانه " حقيقة، وبعيد عليهم وهم أنبياء (3) أن يروا استرقاق حر، فلم يبق إلا أن يريدوا بذلك طريق الحمالة، أي خذ أحدنا مكانه. حتى ينصرف إليك صاحبك، ومقصدهم بذلك أن يصل بنيامين إلى أبيه، ويعرف يعقوب جلية الأمر، فمنع يوسف عليه السلام من ذلك، إذ الحمالة في الحدود ونحوها - بمعنى إحضار المضمون فقط - جائزة مع التراضي، غير لازمة إذا أبى الطالب، وأما الحمالة في مثل هذا على أن يلزم الحميل ما كان يلزم المضمون من عقوبة، فلا يجوز إجماعا. وفي " الواضحة ": إن الحمالة في الوجه فقط في [جميع] (4) الحدود جائزة، إلا في النفس. وجمهور الفقهاء على جواز الكفالة في النفس. وأختلف فيها عن الشافعي، فمرة ضعفها، ومرة أجازها.
قوله تعالى: (إنا نراك من المحسنين) يحتمل أن يريدوا وصفه بما رأوا من إحسانه في جميع أفعاله معهم، ويحتمل أن يريدوا: إنا نرى لك إحسانا علينا في هذه اليد أن أسديتها إلينا، وهذا تأويل ابن إسحاق.
قوله تعالى: (قال معاذ الله) مصدر. (أن نأخذ) في موضع نصب، أي من أن نأخذ. (إلا من وجدنا) في موضع نصب ب " نأخذ ". (متاعنا عنده) أي معاذ الله أن نأخذ البرئ بالمجرم ونخالف ما تعاقدنا عليه. (إنا إذا لظالمون) أي أن نأخذ غيره.