فيما روي - خشي أن يخرج وينال من الملك مرتبة ويسكت عن أمر ذنبه صفحا فيراه الناس بتلك العين أبدا ويقولون: هذا الذي راود امرأة مولاه، فأراد يوسف عليه السلام أن يبين براءته، ويحقق منزلته من العفة والخير، وحينئذ يخرج للإحظاء والمنزلة، فلهذا قال للرسول: ارجع إلى ربك وقل له ما بال النسوة، ومقصد يوسف عليه السلام إنما كان:
وقل له يستقصي عن ذنبي، وينظر في أمري هل سجنت بحق أو بظلم، ونكب عن امرأة العزيز حسن عشرة، ورعاية لذمام الملك العزيز له. فإن قيل: كيف مدح النبي صلى الله عليه وسلم يوسف بالصبر والأناة وترك المبادرة إلى الخروج، ثم هو يذهب بنفسه عن حالة قد مدح بها غيره؟ فالوجه في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أخذ لنفسه وجها آخر من الرأي، له جهة أيضا من الجودة، يقول: لو كنت أنا لبادرت بالخروج، ثم حاولت بيان عذري بعد ذلك، وذلك أن هذه القصص والنوازل هي معرضة لأن يقتدي الناس بها إلى يوم القيامة، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم حمل الناس على الأحزم من الأمور، وذلك أن تارك الحزم في مثل هذه النازلة، التارك فرصة الخروج من مثل ذلك السجن، ربما نتج له البقاء في سجنه، وانصرفت نفس مخرجه عنه، وإن كان يوسف، عليه السلام أمن من ذلك بعلمه من الله، فغيره من الناس لا يأمن ذلك، فالحالة التي ذهب النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه إليها حالة حزم، وما فعله يوسف عليه السلام صبر عظيم وجلد.
قوله تعالى: (فاسأله ما بال النسوة) ذكر النساء جملة ليدخل فيهن امرأة العزيز مدخل العموم بالتلويح حتى لا يقع عليها تصريح، وذلك حسن عشرة وأدب، وفى الكلام محذوف، أي فاسأله أن يتعرف ما بال النسوة. قال ابن عباس: فأرسل الملك إلى النسوة وإلى امرأة العزيز - وكان قد مات العزيز فدعاهن ف (قال ما خطبكن) أي ما شأنكن. (إذ راودتن يوسف عن نفسه) وذلك أن كل واحدة منهن كلمت يوسف في حق نفسها، على ما تقدم، أو أراد قول كل واحدة قد ظلمت امرأة العزيز، فكان ذلك مراودة منهن. (قلن حاشا لله) أي معاذ الله. (ما علمنا عليه من سوء) أي زنى. (قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق) لما رأت إقرارهن ببراءة يوسف، وخافت أن يشهدن عليها إن أنكرت أقرت