الثامنة - قوله تعالى: (أن تقصروا من الصلاة) (أن) في موضع نصب، أي في أن تقصروا. قال أبو عبيد: فيها ثلاث لغات: قصرت الصلاة وقصرتها وأقصرتها. واختلف العلماء في تأويله، فذهب جماعة من العلماء إلى أنه القصر إلى اثنتين من أربع في الخوف وغيره، لحديث يعلي بن أمية على ما يأتي. وقال آخرون: إنما هو قصر الركعتين إلى ركعة، والركعتان في السفر إنما هي تمام، كما قال عمر رضي الله عنه: تمام غير قصر، وقصرها أن تصير ركعة.
قال السدي: إذا صليت في السفر ركعتين فهو تمام، والقصر لا يحل إلا أن تخاف، فهذه الآية مبيحة أن تصلي كل طائفة ركعة لا تزيد عليها شيئا، ويكون للامام ركعتان. وروي نحوه عن ابن عمر وجابر بن عبد الله وكعب، وفعله حذيفة بطبرستان وقد سأله الأمير سعيد ابن العاص عن ذلك. وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى كذلك في غزوة ذي قرد (1) ركعة لكل طائفة ولم يقضوا. وروى جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى كذلك بأصحابه يوم محارب (2) خصفة وبني ثعلبة. وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى كذلك بين ضجنان (3) وعسفان (4).
قلت: وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال: فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة. وهذا يؤيد هذا القول ويعضده، إلا أن القاضي أبا بكر بن العربي ذكر في كتابه المسمى (بالقبس): قال علماؤنا [رحمة الله عليهم (5)] هذا الحديث مردود بالاجماع.
قلت: وهذا لا يصح، وقد ذكر هو وغيره الخلاف والنزاع فلم يصح ما ادعوه من الاجماع وبالله التوفيق. وحكى أبو بكر الرازي الحنفي في (أحكام القرآن) أن المراد بالقصر ههنا القصر