الثانية - قوله تعالى: (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) قال الضحاك:
بالبينة على المدعى واليمين على من أنكر. وهذا خطاب للولاة والامراء والحكام، ويدخل في ذلك بالمعنى جميع الخلق كما ذكرنا في أداء الأمانات. قال صلى الله عليه وسلم: (إن المقسطين يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا). وقال: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالامام راع وهو مسؤول عن رعيته والرجل راع على أهله وهو مسؤول عنهم والمرأة راعية على بيت زوجها وهي مسؤولة عنه والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته). فجعل في هذه الأحاديث الصحيحة كل هؤلاء رعاة وحكاما على مراتبهم، وكذلك العالم الحاكم، لأنه إذا أفتى (1) حكم وقضى وفصل بين الحلال والحرام، والفرض والندب، والصحة والفساد، فجميع ذلك أمانة تؤدى وحكم يقضى. وقد تقدم في (البقرة (2)) القول في (نعما).
(ان الله كان سميعا بصيرا) وصف الله تعالى نفسه بأنه سميع بصير يسمع ويرى، كما قال تعالى: (إنني معكما أسمع وأرى (3)) فهذا طريق السمع. والعقل يدل على ذلك، فإن انتفاء السمع والبصر يدل على نقيضيهما من العمى والصمم، إذ المحل القابل للضدين لا يخلو من أحدهما، وهو تعالى مقدس عن النقائص ويستحيل صدور الافعال الكاملة من المتصف بالنقائص، كخلق السمع والبصر ممن ليس له سمع ولا بصر. وأجمعت الأمة على تنزيهه تعالى عن النقائص. وهو أيضا دليل سمعي يكتفى به مع نص القرآن في مناظرة من تجمعهم كلمة الاسلام. جل الرب تبارك وتعالى عما يتوهمه المتوهمون ويختلقه المفترون الكاذبون (سبحان ربك رب العزة عما يصفون (4)).
قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا (59)