الثالثة - قوله تعالى: (ذلك خير) أي ردكم ما اختلفتم فيه إلى الكتاب والسنة خير من التنازع. (وأحسن تأويلا) أي مرجعا، من آل يئول إلى كذا أي صار. وقيل:
من ألت الشئ إذا جمعته وأصلحته. فالتأويل جمع معاني ألفاظ أشكلت بلفظ لا إشكال فيه، يقال: أول الله عليك أمرك أي جمعه. ويجوز أن يكون المعنى وأحسن من تأويلكم.
قوله تعالى: ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضللا بعيدا (60) وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله والى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا (61) روى يزيد بن زريع عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال: كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة، فدعا اليهودي المنافق إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه علم أنه لا يقبل الرشوة. ودعا المنافق اليهودي إلى حكامهم، لأنه علم أنهم يأخذون الرشوة في أحكامهم، فلما اختلفا اجتمعا على أن يحكما كاهنا في جهينة، فأنزل الله تعالى في ذلك:
(ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم امنوا بما أنزل إليك) يعني المنافق. (وما أنزل من قبلك) يعني اليهودي. (يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت) إلى قوله: (ويسلموا تسليما) وقال الضحاك: دعا اليهودي المنافق إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف وهو (الطاغوت). ورواه أبو صالح عن ابن عباس قال:
كان بين رجل من المنافقين - يقال له بشر - وبين يهودي خصومة، فقال اليهودي:
انطلق بنا إلى محمد، وقال المنافق: بل إلى كعب بن الأشرف - وهو الذي سماه الله (الطاغوت) أي ذو الطغيان - فأبى اليهودي أن يخاصمه إلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى ذلك المنافق أتى معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى لليهودي.