الخامسة - وعلى المسافر أن ينوي القصر من حين الاحرام، فإن افتتح الصلاة بنية القصر ثم عزم على المقام في أثناء (1) صلاته جعلها نافلة، وإن كان ذلك بعد أن صلى منها ركعة أضاف إليها أخرى وسلم، ثم صلى صلاة مقيم. قال الأبهزي وابن الجلاب: هذا - والله أعلم - استحباب، ولو بنى على صلاته وأتمها أجزأته صلاته. قال أبو عمر:
هو عندي كما قالا، لأنها ظهر، سفرية كانت أو حضرية وكذلك سائر الصلوات الخمس.
السادسة - واختلف العلماء من هذا الباب في مدة الإقامة التي إذا نواها المسافر أتم، فقال مالك والشافعي والليث بن سعد والطبري وأبو ثور: إذا نوى الإقامة أربعة أيام أتم، وروي عن سعيد بن المسيب. وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري: إذا نوى إقامة خمس عشرة ليلة أتم، وإن كان أقل قصر. وهو قول ابن عمر وابن عباس ولا مخالف لهما من الصحابة فيما ذكر الطحاوي، وروي عن سعيد أيضا. وقال أحمد: إذا جمع (2) المسافر مقام إحدى وعشرين صلاة مكتوبة قصر، وإن زاد على ذلك أتم، وبه قال داود. والصحيح ما قاله مالك، لحديث ابن الحضرمي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل للمهاجر أن يقيم بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثة أيام ثم يصدر. أخرجه الطحاوي وابن ماجة وغيرهما. ومعلوم أن الهجرة إذ كانت مفروضة قبل الفتح كان المقام بمكة لا يجوز، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم للمهاجر ثلاثة أيام لتقضيه حوائجه وتهيئة أسبابه، ولم يحكم لها بحكم المقام ولا في حيز الإقامة، وأبقى عليه فيها حكم المسافر، ومنعه من مقام الرابع، فحكم له بحكم الحاضر القاطن، فكان ذلك أصلا معتمدا عليه. ومثله ما فعله عمر رضي الله عنه حين أجلى اليهود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (3)، فجعل لهم مقام ثلاثة أيام في قضاء أمورهم. قال ابن العربي: وسمعت بعض أحبار المالكية يقول: إنما كانت الثلاثة الأيام (4) خارجة عن حكم الإقامة، لان الله تعالى أرجأ فيها من أنزل به العذاب وتيقن الخروج عن الدنيا، فقال تعالى: (تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب (5)).
وفي المسألة قول غير هذه الأقوال، وهو أن المسافر يقصر أبدا حتى يرجع إلى وطنه، أو ينزل وطنا له. روي عن أنس أنه أقام سنتين بنيسابور يقصر الصلاة. وقال أبو مجلز: