قوله تعالى: (وان تكفروا فان لله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله غنيا حميدا.
ولله ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا) إن قال قائل: ما فائدة هذا التكرير؟
فعنه جوابان: أحدهما - أنه كرر تأكيدا، ليتنبه العباد وينظروا ما في ملكوته وملكه وأنه غني عن العالمين. الجواب الثاني - أنه كرر لفوائد: فأخبر في الأول أن الله تعالى يغني كلا من سعته، لان له ما في السماوات وما في الأرض فلا تنفد خزائنه. ثم قال: أوصيناكم وأهل الكتاب بالتقوى (وإن تكفروا) [أي وإن (1) تكفروا] فإنه غني عنكم، لان له ما في السماوات وما في الأرض. ثم أعلم في الثالث بحفظ خلقه وتدبيره إياهم بقوله: (وكفى بالله وكيلا) لان له ما في السماوات وما في الأرض. وقال: (ما في السماوات) ولم يقل من في السماوات، لأنه ذهب به مذهب الجنس، وفي السماوات والأرض من يعقل ومن لا يعقل.
قوله تعالى: ان يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا (133) قوله تعالى: (ان يشأ يذهبكم) يعني بالموت (أيها الناس). يريد المشركين والمنافقين.
(ويأت بآخرين) يعني بغيركم. ولما نزلت هذه الآية ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ظهر سلمان وقال: (هم قوم هذا). وقيل: الآية عامة، أي وإن تكفروا يذهبكم ويأت بخلق أطوع لله منكم. وهذا كما قال في آية أخرى: (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم (2)). وفي الآية تخويف وتنبيه لجميع من كانت له ولاية وإمارة ورياسة فلا يعدل في رعيته، أو كان عالما فلا يعمل بعلمه ولا ينصح الناس، أن يذهبه ويأتي بغيره.
(وكان الله على ذلك قديرا) والقدرة صفة أزلية، لا تتناهى مقدوراته، كما لا تتناهى معلوماته، والماضي والمستقبل في صفاته بمعنى واحد، وإنما خص الماضي بالذكر لئلا يتوهم أنه يحدث (3) في ذاته وصفاته. والقدرة هي التي يكون بها الفعل ولا يجوز وجود العجز معها.
قوله تعالى: من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة وكان الله سميعا بصيرا (134)