بأن يحمل نفسه على الغرر المؤدي إلى التلف. ويحتمل أن يقال: (ولا تقتلوا أنفسكم) في حال ضجر أو غضب، فهذا كله يتناول النهي. وقد أحتج عمرو بن العاص بهذه الآية حين أمتنع من الاغتسال بالماء البارد حين أجنب في غزوة ذات السلاسل خوفا على نفسه منه، فقرر النبي صلى الله عليه وسلم احتجاجه وضحك عنده ولم يقل شيئا. خرجه أبو داود وغيره، وسيأتي.
قوله تعالى: ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف تصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا (30) (ذلك) إشارة إلى القتل، لأنه أقرب مذكور، قاله عطاء. وقيل: هو عائد إلى أكل المال بالباطل وقتل النفس، لان النهي عنهما جاء متسقا مسرودا، ثم ورد الوعيد حسب النهي. وقيل: هو عام على كل ما نهى عنه من القضايا، من أول السورة إلى قوله تعالى:
(ومن يفعل ذلك). وقال الطبري: (ذلك) عائد على ما نهى عنه من آخر وعيد، وذلك قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها) لان كل ما نهى عنه من أول السورة قرن به وعيد، إلا من قوله: (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم) فإنه لا وعيد بعده إلا قوله:
(ومن يفعل ذلك عدوانا). والعدوان تجاوز الحد. والظلم وضع الشئ في غير موضعه، وقد تقدم (1). وقيد الوعيد بذكر العدوان والظلم ليخرج منه فعل السهو والغلط، وذكر العدوان والظلم مع تقارب معانيهما لاختلاف ألفاظهما، وحسن ذلك في الكلام كما قال:
* وألفى قولها كذبا ومينا (2) * وحسن العطف لاختلاف اللفظين، يقال: بعدا وسحقا، ومنه قول يعقوب: (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله (3)). فحسن ذلك لاختلاف اللفظ. و (نصليه) معناه نمسه حرها. وقد بينا