خفتم). وذهب جماعة إلى أن هذه الآية إنما هي مبيحة للقصر في السفر للخائف من العدو، فمن كان آمنا فلا قصر له. روي عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول في السفر:
أتموا صلاتكم، فقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقصر، فقالت: إنه كان في حرب وكان يخاف، وهل أنتم تخافون؟. وقال عطاء: كان يتم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة وسعد بن أبي وقاص وأتم عثمان، ولكن ذلك معلل بعلل تقدم بعضها. وذهب جماعة إلى أن الله تعالى لم يبح القصر في كتابه إلا بشرطين: السفر والخوف، وفي غير الخوف بالسنة، منهم الشافعي وقد تقدم. وذهب آخرون إلى أن قوله تعالى:
(إن خفتم) ليس متصلا بما قبل، وإن الكلام تم عند قوله: (من الصلاة) ثم افتتح فقال:
(إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) فأقم لهم يا محمد صلاة الخوف. وقوله: (إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا) كلام معترض، قاله الجرجاني وذكره المهدوي وغيرهما. ورد هذا القول القشيري والقاضي أبو بكر بن العربي. قال القشيري أبو نصر: وفي الحمل على هذا تكلف شديد، وإن أطنب الرجل - يريد الجرجاني - في التقدير وضرب الأمثلة. وقال ابن العربي: وهذا كله لم يفتقر إليه عمر ولا ابنه ولا يعلي بن أمية معهما.
قلت: قد جاء حديث بما قاله الجرجاني ذكره القاضي أبو الوليد بن رشد في مقدماته، وابن عطية أيضا في تفسيره عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: سأل قوم من التجار رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا نضرب في الأرض فكيف نصلي؟ فأنزل الله تعالى: (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليم جناح أن تقصروا من الصلاة) ثم انقطع الكلام، فلما كان بعد ذلك بحول غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر، فقال المشركون: لقد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم هلا شددتم عليهم؟ فقال قائل منهم:
إن لهم أخرى في أثرها، فأنزل الله تعالى بين الصلاتين (إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) إلى آخر صلاة الخوف. فإن صح هذا الخبر فليس لأحد معه مقال، ويكون فيه دليل على القصر في غير الخوف بالقرآن. وقد روى عن ابن عباس أيضا مثله، قال: إن قوله تعالى: (وإذا ضربتم