وقال سعيد بن جبير: إذا عمل بالمعاصي في أرض فاخرج منها، وتلا (ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها). وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من فر بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبرا استوجب الجنة وكان رفيق إبراهيم ومحمد عليهما السلام).
(فأولئك مأواهم جهنم) أي مثواهم النار. وكانت الهجرة واجبة على كل من أسلم. (وساءت مصيرا) نصب على التفسير. وقوله تعالى: (لا يستطيعون حيلة) الحيلة لفظ عام لأنواع أسباب التخلص. والسبيل سبيل المدينة، فيما ذكر مجاهد والسدي وغيرهما، والصواب أنه عام في جميع السبل. وقوله تعالى: (فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم) هذا الذي لا حيلة له في الهجرة لا ذنب له حتى يعفى عنه، ولكن المعنى أنه قد يتوهم أنه يجب تحمل غاية المشقة في الهجرة، حتى أن من لم يتحمل تلك المشقة يعاقب فأزال الله ذلك الوهم، إذ لا يجب تحمل غاية المشقة، بل كان يجوز ترك الهجرة عند فقد الزاد والراحلة. فمعنى الآية: فأولئك لا يستقصى عليهم في المحاسبة، ولهذا قال: (وكان الله عفوا غفورا) والماضي والمستقبل في حقه تعالى واحد، وقد تقدم.
قوله تعالى: ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مرا غما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما (100) فيه خمس مسائل:
الأولى - قوله تعالى: (ومن يهاجر في سبيل الله يجد) شرط وجوابه. (في الأرض مراغما) اختلف في تأويل المراغم، فقال مجاهد: المراغم المتزحزح. وقال ابن عباس والضحاك والربيع وغيرهم: المراغم المتحول والمذهب. وقال ابن زيد: والمراغم المهاجر، وقاله أبو عبيدة.
قال النحاس: فهذه الأقوال متفقة المعاني. فالمراغم المذهب والمتحول في حال هجرة، وهو اسم الموضع الذي يراغم فيه، وهو مشتق من الرغام. ورغم أنف فلان أي لصق بالتراب.