الجامع لاحكام القرآن لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي الجزء الخامس أعاد طبعه دار احياء التراث العربي بيروت - لبنان 1405 ه 1985 م بسم الله الرحمن الرحيم سورة النساء وهي مدنية إلا آية واحدة نزلت بمكة عام الفتح في عثمان بن طلحة الحجبي وهي قوله:
(إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها (1)) على ما يأتي بيانه. قال النقاش: وقيل:
نزلت عند هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة. وقد قال بعض الناس:
إن قوله تعالى: (يا أيها الناس) حيث وقع إنما هو مكي، وقاله (2) علقمة وغيره، فيشبه أن يكون صدر السورة مكيا، وما نزل بعد الهجرة فإنما هو مدني. وقال النحاس: هذه السورة مكية.
قلت: والصحيح الأول، فإن في صحيح البخاري عن عائشة أنها قالت: ما نزلت سورة النساء إلا وأنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، تعني قد بنى بها. ولا خلاف بين العلماء أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما بنى بعائشة بالمدينة. ومن تبين أحكامها علم أنها مدنية لا شك فيها. وأما من قال: إن قوله: (يا أيها الناس) مكي حيث وقع فليس بصحيح، فإن البقرة مدنية وفيها قوله: (يا أيها الناس) في موضعين (3)، وقد تقدم. والله أعلم قوله تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام أن الله كان عليكم رقيبا (1) فيه ست (4) مسائل:
الأولى - قوله تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم) قد مضى في (البقرة) اشتقاق (الناس) ومعنى التقوى والرب والخلق والزوج والبث، فلا معنى للإعادة (5)