فقال: يا أبا عبد الرحمن إنا نجد صلاة الخوف وصلاة الحضر في القرآن ولا نجد صلاة السفر؟ فقال عبد الله بن عمر: يا ابن أخي إن الله تبارك وتعالى بعث إلينا محمدا صلى الله عليه وسلم ولا نعلم شيئا، فإنا نفعل كما رأيناه يفعل. ففي هذا الخبر (1) قصر الصلاة في السفر من غير خوف ستة لا فريضة، لأنها لا ذكر لها في القرآن، وإنما القصر المذكور في القرآن إذا كان سفرا وخوفا واجتمعا، فلم يبح القصر في كتابه إلا مع هذين الشرطين. ومثله في القرآن: (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح (2)) الآية، وقد تقدم. ثم قال تعالى: (فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة) أي فأتموها، وقصر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أربع إلى اثنتين إلا المغرب في أسفاره كلها آمنا لا يخاف إلا الله تعالى، فكان ذلك سنة مسنونة منه صلى الله عليه وسلم، زيادة في أحكام الله تعالى كسائر ما سنة وبينه، مما ليس له في القرآن ذكر. وقوله: (كما رأيناه يفعل) مع حديث عمر حيث سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القصر في السفر من غير خوف، فقال: (تلك صدقة تصدق الله بها عليكم فأقبلوا صدقته (3)) يدل على أن الله تعالى قد يبيح الشئ في كتابه بشرط ثم يبيح ذلك الشئ على لسان نبيه من غير ذلك الشرط. وسأل حنظلة ابن عمر عن صلاة السفر فقال: ركعتان.
قلت: فأين قوله تعالى: (إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) ونحن آمنون؟ قال:
سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهذا ابن عمر قد أطلق عليها سنة، وكذلك قال ابن عباس.
فأين المذهب عنهما؟. قال أبو عمر: ولم يقم مالك إسناد هذا الحديث، لأنه لم يسم الرجل الذي سأل ابن عمر، وأسقط من الاسناد رجلا، والرجل الذي لم يسمه هو أمية بن عبد الله ابن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، والله أعلم.
الثانية - واختلف العلماء في حد المسافة التي تقصر فيها الصلاة، فقال داود:
تقصر في كل سفر طويل أو قصير، ولو كان ثلاثة أميال من حيث تؤتى الجمعة، متمسكا بما رواه مسلم عن يحيى بن يزيد الهنائي قال: سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة فقال: