أثقل من فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سري عنه فقال: (أكتب) فكتبت في كتف (1) (لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله) إلى آخر الآية، فقام ابن أم مكتوم - وكان رجلا أعمى - لما سمع فضيلة المجاهدين فقال: يا رسول الله، فكيف بمن لا يستطيع الجهاد من المؤمنين؟ فلما قضى كلامه غشيت رسول الله صلى الله عليه وسلم السكينة فوقعت فخذه على فخذي، ووجدت من ثقلها في المرة الثانية كما وجدت في المرة الأولى، ثم سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (اقرأ يا زيد) فقرأت (لا يستوي القاعدون من المؤمنين) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (غير أولي الضرر) الآية كلها. قال زيد:
فأنزلها الله وحدها فألحقتها، والذي نفسي بيده لكأني أنظر إلى ملحقها عند صدع في كتف.
وفي البخاري عن مقسم مولى عبد الله بن الحارث أنه سمع ابن عباس يقول: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين) عن بدر والخارجون إلى بدر. قال العلماء: أهل الضرر هم أهل الاعذار إذ قد أضرت بهم حتى منعتهم الجهاد. وصح وثبت في الخبر أنه عليه السلام قال - وقد قفل من بعض غزواته: (إن بالمدينة رجالا ما قطعتم واديا ولا سرتم مسيرا إلا كانوا معكم أولئك قوم حبسهم العذر). فهذا يقتضي أن صاحب العذر يعطى أجر الغازي، فقيل:
يحتمل أن يكون أجره مساويا، وفي فضل الله متسع، وثوابه فضل لا استحقاق، فيثيب على النية الصادقة مالا يثيب على الفعل. وقيل: يعطى أجره من غير تضعيف فيفضله الغازي بالتضعيف للمباشرة. والله أعلم.
قلت: والقول الأول أصح - إن شاء الله - للحديث الصحيح في ذلك (إن بالمدينة رجالا) ولحديث أبي كبشة الأنماري قوله عليه السلام (إنما الدنيا لأربعة نفر) الحديث وقد تقدم في سورة (آل عمران (2)). ومن هذا المعنى ما ورد في الخبر (إذا مرض العبد قال الله تعالى اكتبوا لعبدي ما كان يعمله في الصحة إلى أن يبرأ أو أقبضه إلي).