مسألة - إذا ثبت هذا فاعلم أن علماءنا رضي الله عنهم قالوا: الشرك على ثلاث مراتب وكله محرم. وأصله اعتقاد شريك لله في ألوهيته، وهو الشرك الأعظم وهو شرك الجاهلية، وهو المراد بقوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء). ويليه في الرتبة اعتقاد شريك لله تعالى في الفعل، وهو قول من قال: إن موجودا ما غير الله تعالى يستقل بإحداث فعل وإيجاده وإن لم يعتقد كونه إلها كالقدرية مجوس هذه الأمة، وقد تبرأ منهم ابن عمر كما في حديث جبريل عليه السلام. ويلي هذه الرتبة الاشراك في العبادة وهو الرياء، وهو أن يفعل شيئا من العبادات التي أمر الله بفعلها له لغيره. وهذا هو الذي سيقت الآيات والأحاديث لبيان تحريمه، وهو مبطل للأعمال وهو خفي لا يعرفه كل جاهل غبي.
ورضي الله عن المحاسبي فقد أوضحه في كتابه (الرعاية) وبين إفساده للأعمال. وفي سنن ابن ماجة عن أبي سعيد بن أبي فضالة الأنصاري وكان من الصحابة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم القيامة ليوم لا ريب فيه نادى مناد من كان أشرك في عمل عمله لله عز وجل أحدا فليطلب ثوابه من عند غير الله فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك).
وفيه عن أبي سعيد الخدري قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر المسيخ الدجال فقال: (ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيخ الدجال؟) قال:
فقلنا بلى يا رسول الله، فقال: (الشرك الخفي أن يقوم الرجل يصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل). وفيه عن شداد بن أوس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أخوف ما أتخوف على أمتي الاشراك بالله أما إني لست أقول يعبدون شمسا ولا قمرا ولا وثنا ولكن أعمالا لغير الله وشهوة خفية) خرجه الترمذي الحكيم. وسيأتي في آخر الكهف (1)، وفيه بيان الشهوة الخفية. وروى ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشهوة الخفية فقال: (هو الرجل يتعلم العلم يحب أن يجلس إليه). قال سهل ابن عبد الله التستري رضي الله عنه: الرياء على ثلاثة وجوه، أحدها - أن يعقد في أصل فعله لغير الله ويريد به أن يعرف أنه لله، فهذا صنف من النفاق وتشكك في الايمان. والآخر -