قلت: وعلى هذا فالوصاة بالجار مأمور بها مندوب إليها مسلما كان أو كافرا، وهو الصحيح. والاحسان قد يكون بمعنى المواساة، وقد يكون بمعنى حسن العشرة وكف الأذى والمحاماة دونه. روى البخاري عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه). وروي عن أبي شريح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن) قيل: يا رسول الله ومن؟ قال:
(الذي لا يأمن جاره بوائقه) وهذا عام في كل جار. وقد أكد عليه السلام ترك إذايته بقسمه ثلاث مرات، وأنه لا يؤمن الايمان الكامل من آذى جاره. فينبغي للمؤمن أن يحذر أذى جاره، وينتهي عما نهى الله ورسوله عنه، ويرغب فيما رضياه حضا العباد عليه.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الجيران ثلاثة فجار له ثلاثة حقوق وجار له حقان وجار له حق واحد فأما الجار الذي له ثلاثة حقوق فالجار المسلم القريب له حق الجوار وحق القرابة وحق الاسلام والجار الذي له حقان فهو الجار المسلم فله حق الاسلام وحق الجوار والجار الذي له حق واحد هو الكافر له حق الجوار).
الخامسة - روى البخاري عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله، إن لي جارين فإلى أيهما أهدي، قال: (إلى أقربهما منك بابا). فذهب جماعة من العلماء إلى أن هذا الحديث يفسر المراد من قوله تعالى: (والجار ذي القربى) وأنه القريب المسكن منك.
(والجار الجنب) هو البعيد المسكن منك. واحتجوا بهذا على إيجاب الشفعة للجار، وعضدوه وبقوله عليه السلام: (الجار أحق بصقبه (1)). ولا حجة في ذلك، فإن عائشة رضي الله عنها إنما سألت النبي صلى الله عليه وسلم عمن تبدأ به من جيرانها في الهدية فأخبرها أن من قرب بابه فإنه أولى بها من غيره. قال ابن المنذر: فدل هذا الحديث على أن الجار يقع على غير اللصيق. وقد خرج أبو حنيفة عن ظاهر هذا الحديث فقال: إن الجار اللصيق إذا ترك الشفعة وطلبها الذي يليه وليس له جدار إلى الدار ولا طريق لا شفعة فيه له. وعوام العلماء