أن يشارك فيه، وأيضا فإنه أسرع إجابة لجاره عندما ينويه من حاجة في أوقات الغفلة والغرة، فلذلك بدأ به على من بعد بابه وإن كانت داره أقرب. والله أعلم.
الثامنة - قال العلماء: لما قال عليه السلام (فأكثر ماءها) نبه بذلك على تيسير الامر على البخيل تنبيها لطيفا، وجعل الزيادة فيما ليس له ثمن وهو الماء، ولذلك لم يقل: إذا طبخت مرقة فأكثر لحمها، إذ لا يسهل ذلك على كل أحد. ولقد أحسن القائل:
قدري وقدر الجار واحدة * وإليه قبلي ترفع القدر ولا يهدى النزر اليسير المحتقر، لقوله عليه السلام: (ثم أنظر أهل بيت من جيرانك فأصبهم منها بمعروف) أي بشئ يهدى عرفا، فإن القليل وإن كان مما يهدى فقد لا يقع ذلك الموقع، فلو لم يتيسر إلا القليل فليهده ولا يحتقر، وعلى المهدى إليه قبوله، لقوله عليه السلام:
(يا نساء المؤمنات لا تحتقرن إحداكن لجارتها ولو كراع (1) شاة محرقا) أخرجه مالك في موطئه.
وكذا قيدناه (يا نساء المؤمنات) بالرفع على غير الإضافة، والتقدير: يا أيها النساء المؤمنات، كما تقول يا رجال الكرام، فالمنادى محذوف وهو يا أيها، والنساء في التقدير النعت لأيها، والمؤمنات نعت للنساء. قد قيل: فيه: يا نساء المؤمنات بالإضافة، والأول أكثر.
التاسعة - من إكرام الجار ألا يمنع من غرز خشبة له إرفاقا به، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره). ثم يقول أبو هريرة: ما لي أراكم عنها معرضين، والله لأرمين بها بين أكنافكم. روي (خشبه وخشبة) على الجمع والافراد. وروي (أكتافهم) بالتاء و (أكنافهم) بالنون. ومعنى (لأرمين بها) أي بالكلمة والقصة. وهل يقضى بهذا على الوجوب أو الندب؟ فيه خلاف بين العلماء.
فذهب مالك وأبو حنيفة وأصحابهما إلى أن معناه الندب إلى بر الجار والتجاوز له والاحسان إليه، وليس ذلك على الوجوب، بدليل قوله عليه السلام: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن