فيه ثمان عشرة مسألة:
الأولى أجمع العلماء على أن هذه الآية من المحكم المتفق عليه، ليس منها شئ منسوخ.
وكذلك هي في جميع الكتب. ولو لم يكن كذلك لعرف ذلك من جهة العقل، وإن لم ينزل به الكتاب. وقد مضى معنى العبودية وهي التذلل والافتقار، لمن له الحكم والاختيار، فأمر الله تعالى عباده بالتذلل له والاخلاص فيه، فالآية أصل في خلوص الأعمال لله تعالى وتصفيتها من شوائب الرياء وغيره، قال الله تعالى (فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا (1)) حتى لقد قال بعض علمائنا: إنه من تطهر تبردا أو صام محما لمعدته ونوى مع ذلك التقرب لم يجزه، لأنه مزج في نية التقرب نية دنياوية وليس لله إلا العمل الخالص، كما قال تعالى: (ألا لله الدين الخالص (2)) وقال تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين (3)). وكذلك إذا أحس الرجل بداخل في الركوع وهو إمام لم ينتظره، لأنه يخرج ركوعه بانتظاره عن كونه خالصا لله تعالى. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله تبارك وتعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه). وروى الدارقطني عن أنس ابن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يجاء يوم القيامة بصحف مختمة فتنصب بين يدي الله تعالى فيقول الله تعالى للملائكة ألقوا هذا واقبلوا هذا فتقول الملائكة وعزتك ما رأينا إلا خيرا فيقول الله عز وجل - وهو أعلم - إن هذا كان لغيري ولا أقبل اليوم من العمل إلا ما كان ابتغي به وجهي). وروي أيضا عن الضحاك بن قيس الفهري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى يقول أنا خير شريك فمن أشرك معي شريكا فهو لشريكي يا أيها الناس أخلصوا أعمالكم لله تعالى فإن الله لا يقبل إلا ما خلص له ولا تقولوا هذا لله وللرحم فإنها للرحم وليس لله منها شئ ولا تقولوا هذا لله ولوجوهكم فإنها لوجوهكم وليس لله تعالى منها شئ).