يدخل في الشئ لله فإذا اطلع عليه غير الله نشط، فهذا إذا تاب يزيد أن يعيد جميع ما عمل.
والثالث - دخل في العمل بالاخلاص وخرج به لله فعرف بذلك ومدح عليه وسكن إلى مدحهم، فهذا الرياء الذي نهى الله عنه. قال سهل قال لقمان لابنه: الرياء أن تطلب ثواب عملك في دار الدنيا، وإنما عمل القوم للآخرة. قيل له: فما دواء الرياء؟ قال كتمان العمل، قيل له: فكيف يكتم العمل؟ قال: ما كلفت إظهاره من العمل فلا تدخل فيه إلا بالاخلاص، وما لم تكلف إظهاره أحب ألا يطلع عليه إلا الله. قال: وكل عمل اطلع عليه الخلق فلا تعده من العمل. وقال أيوب السختياني: ما هو بعاقل من أحب أن يعرف مكانه من عمله.
قلت: قول سهل (والثالث دخل في العمل بالاخلاص) إلى آخره، إن كان سكونه وسروره إليهم لتحصل منزلته في قلوبهم فيحمدوه ويجلوه ويبروه وينال ما يريده منهم من مال أو غيره فهذا مذموم، لان قلبه مغمور فرحا باطلاعهم عليه، وإن كانوا قد اطلعوا عليه بعد الفراغ. فأما من أطلع الله عليه خلقه وهو لا يحب اطلاعهم عليه فيسر بصنع الله وبفضله عليه فسروره بفضل الله طاعة، كما قال تعالى: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون (1)). وبسط هذا وتتميمه في كتاب (الرعاية للمحاسبي)، فمن أراده فليقف عليه هناك.
وقد سئل سهل عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم (أني أسر العمل فيطلع عليه فيعجبني) قال: يعجبه من جهة الشكر لله الذي أظهره الله عليه أو نحو هذا. فهذه جملة كافية في الرياء وخلوص الأعمال. وقد مضى في (البقرة (2)). حقيقة الاخلاص. والحمد لله.
الثانية - قوله تعالى: (وبالوالدين احسانا) قد تقدم في صدر هذه السورة أن من الاحسان إليهما عتقهما، ويأتي في (سبحان (3)) حكم برهما مستوفى. وقرأ ابن أبي عبلة (احسان) بالرفع أي واجب الاحسان إليهما. الباقون بالنصب، على معنى أحسنوا إليهما إحسانا. قال العلماء: فأحق الناس بعد الخالق المنان بالشكر والاحسان والتزام البر والطاعة له