ومعنى، فإذا بين الله كل واحد منهما فلا ينبغي لشاذ - فكيف لعالم - أن يركب معنى أحدهما على الآخر!. وقد روى الدارقطني من حديث محمد بن سيرين عن عبيدة في هذه الآية (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) قال: جاء رجل وامرأة إلى علي مع كل واحد منهما فئام (1) من الناس فأمرهم فبعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها، وقال للحكمين: هل تدريان ما عليكما؟ عليكما إن رأيتما أن تفرقا فرقتما. فقالت المرأة:
رضيت بكتاب الله بما علي فيه ولي. وقال الزوج: أما الفرقة فلا. فقال علي: كذبت، والله لا تبرح حتى تقر بمثل الذي أقرت به. وهذا إسناد صحيح ثابت روي عن علي من وجوه ثابتة عن ابن سيرين عن عبيدة، قال أبو عمر. فلو كانا وكيلين أو شاهدين لم يقل لهما:
أتدريان ما عليكما؟ إنما كان يقول: أتدريان بما وكلتما؟ وهذا بين. احتج أبو حنيفة بقول علي رضي الله عنه للزوج: لا تبرح حتى ترضى بما رضيت به. فدل على أن مذهبه أنهما لا يفرقان إلا برضا الزوج، وبأن الأصل المجتمع عليه أن الطلاق بيد الزوج أو بيد من جعل ذلك إليه. وجعله مالك ومن تابعه من باب طلاق السلطان على المولى والعنين.
الرابعة - فإن اختلف الحكمان لم ينفذ قولهما ولم يلزم من ذلك شئ إلا ما اجتمعا عليه. وكذلك كل حكمين حكما في أمر، فإن حكم أحدهما بالفرقة ولم يحكم بها الآخر، أو حكم أحدهما بمال وأبى الآخر فليسا بشئ حتى يتفقا. وقال مالك في الحكمين يطلقان ثلاثا قال:
تلزم (2) واحدة وليس لهما الفراق بأكثر من واحدة بائنة، وهو قول ابن القاسم. وقال ابن القاسم أيضا: تلزمه الثلاث إن اجتمعا عليها، وقال المغيرة وأشهب وابن الماجشون وأصبغ. وقال ابن المواز: إن حكم أحدهما بواحدة والآخر بثلاث فهي واحدة. وحكى ابن حبيب عن أصبغ أن ذلك ليس بشئ.
الخامسة - ويجزئ إرسال الواحد، لان الله سبحانه حكم في الزنى بأربعة شهود، ثم قد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المرأة الزانية أنيسا وحده وقال له: (إن اعترفت فارجمها) وكذلك قال عبد الملك في المدونة.