الثانية والعشرون - قوله تعالى: " فيتعلمون منهما " قال سيبويه: التقدير فهم يتعلمون، قال ومثله " كن فيكون ". وقيل: هو معطوف على موضع " ما يعلمان "، لان قوله: " وما يعلمان " وإن دخلت عليه ما النافية فمضمنه الايجاب في التعليم. وقال الفراء:
هي مردودة على قوله: " يعلمون الناس السحر " فيتعلمون، ويكون " فيتعلمون " متصلة بقول " إنما نحن فتنة " فيأتون فيتعلمون. قال السدي: كانا يقولان لمن جاءهما: إنما نحن فتنة فلا تكفر، فإن أبى أن يرجع قالا له: ائت هذا الرماد فبل فيه، فإذا بال فيه خرج منه نور يسطع إلى السماء، وهو الايمان، ثم يخرج منه دخان أسود فيدخل في أذنيه وهو الكفر، فإذا أخبرهما بما رآه من ذلك علماه ما يفرقون به بين المرء وزوجه. ذهبت طائفة من العلماء إلى أن الساحر ليس يقدر على أكثر مما أخبر الله عنه من التفرقة، لان الله ذكر ذلك في معرض الذم للسحر والغاية في تعليمه، فلو كان يقدر على أكثر من ذلك لذكره.
وقالت طائفة: ذلك خرج على الأغلب، ولا ينكر أن السحر له تأثير في القلوب، بالحب والبغض وبإلقاء الشرور حتى يفرق الساحر بين المرء وزوجه، ويحول بين المرء وقلبه، وذلك بإدخال الآلام وعظيم الأسقام، وكل ذلك مدرك بالمشاهدة وإنكاره معاندة، وقد تقدم هذا، والحمد لله.
الثالثة والعشرون - قوله تعالى: " وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله " " ما هم "، إشارة إلى السحرة. وقيل إلى اليهود، وقيل إلى الشياطين. " بضارين به " أي بالسخر. " من أحد " أي أحدا، ومن زائدة. " إلا بإذن الله " بإرادته وقضائه لا بأمره، لأنه تعالى لا يأمر بالفحشاء ويقضي على الخلق بها. وقال الزجاج: " إلا بإذن الله " إلا بعلم الله. قال النحاس: وقول أبي إسحاق " إلا بإذن الله " إلا بعلم الله غلط، لأنه إنما يقال في العلم أذن، وقد أذنت أذنا. ولكن لما لم يحل فيما بينهم وبينه وظلوا يفعلونه كان كأنه أباحه مجازا.
الرابعة والعشرون - قوله تعالى: " ويتعلمون ما يضرهم " يريد في الآخرة وإن أخذوا بها نفعا قليلا في الدنيا. وقيل: يضرهم في الدنيا، لان ضرر السحر والتفريق يعود