آخر (1):
أرانا موضعين لأمر غيب (2) * ونسحر بالطعام وبالشراب عصافير وذبان ودود * وأجرأ من مجلحة (3) الذئاب وقوله تعالى: " إنما أنت من المسحرين " يقال: المسحر الذي خلق ذا سحر، ويقال من المعللين، أي ممن يأكل الطعام ويشرب الشراب. وقيل: أصله الخفاء، فإن الساحر يفعله في خفية. وقيل: أصله الصرف، يقال: ما سحرك عن كذا، أي ما صرفك عنه، فالسحر مصروف عن جهته. وقيل: أصله الاستمالة، وكل من استمالك فقد سحرك. وقيل في قوله تعالى: " بل نحن قوم مسحورون " أي سحرنا فأزلنا بالتخييل عن معرفتنا. وقال الجوهري: السحر الآخذة، وكل ما لطف مأخذه ودق فهو سحر، وقد سحره يسحره سحرا.
والساحر: العالم، وسحره أيضا بمعنى خدعه، وقد ذكرناه. وقال ابن مسعود: كنا نسمي السحر في الجاهلية العضه. والعضه عند العرب: شدة البهت وتمويه الكذب، قال الشاعر:
أعوذ بربي من النافثات * في عضه العاضه المعضه الرابعة - واختلف هل له حقيقة أم لا، فذكر الغزنوي الحنفي في عيون المعاني له:
أن السحر المعتزلة خدع لا أصل له، وعند الشافعي وسوسة وأمراض. قال: وعندنا أصله طلسم يبني على تأثير خصائص الكواكب، كتأثير الشمس في زئبق عصي فرعون، أو تعظيم الشياطين ليسهلوا له ما عسر.
قلت: وعندنا أنه حق وله حقيقة يخلق الله عنده ما شاء، على ما يأتي. ثم من السحر ما يكون بخفة اليد كالشعوذة. والشعوذي: البريد لخفة سيره. قال ابن فارس في المجمل:
الشعوذة ليس من كلام أهل البادية، وهي خفة في اليدين وأخذة كالسحر، ومنه ما يكون كلاما يحفظ، ورقى من أسماء الله تعالى. وقد يكون من عهود الشياطين، ويكون أدوية وأدخنة وغير ذلك.