الثامنة عشرة - قوله تعالى: " ببابل " بابل لا ينصرف للتأنيث والتعريف والعجمة، وهي قطر من الأرض، قيل: العراق وما والاه. وقال ابن مسعود لأهل الكوفة: أنتم بين الحيرة وبابل. وقال قتادة: هي من نصيبين إلى رأس العين. وقال قوم: هي بالمغرب.
قال ابن عطية: وهذا ضعيف. وقال قوم: هو جبل نهاوند، فالله تعالى أعلم.
واختلف في تسميته ببابل، فقيل: سمي بذلك لتبلبل الألسن بها حين سقط صرح نمرود. وقيل: سمي به لان الله تعالى لما أراد أن يخالف بين ألسنة بني آدم بعث ريحا فحشرتهم من الآفاق إلى بابل، فبلبل الله ألسنتهم بها، ثم فرقتهم تلك الريح في البلاد.
والبلبلة: التفريق، قال معناه الخليل. وقال أبو عمر بن عبد البر: من أخصر ما قيل في البلبلة وأحسنه ما رواه داود بن أبي هند عن علباء بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس أن نوحا عليه السلام لما هبط إلى أسفل الجودي ابتني قرية وسماها ثمانين، فأصبح ذات يوم وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة، إحداها اللسان العربي، وكان لا يفهم بعضهم عن بعض.
التاسعة عشرة - روى عبد الله بن بشر المازني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(اتقوا الدنيا فوالذي نفسي بيده إنها لأسحر من هاروت وماروت). قال علماؤنا: إنما كانت الدنيا أسحر منهما لأنها تسحرك بخدعها، وتكتمك فتنتها، فتدعوك إلى التحارص عليها والتنافس فيها، والجمع لها والمنع، حتى تفرق بينك وبين طاعة الله تعالى، وتفرق بينك وبين رؤية الحق ورعايته، فالدنيا أسحر منهما، تأخذ بقلبك عن الله، وعن القيام بحقوقه، وعن وعده ووعيده. وسحر الدنيا محبتها وتلذذك بشهواتها، وتمنيك بأمانيها الكاذبة حتى تأخذ بقلبك، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (حبك الشئ يعمي ويصم).
الموفية عشرين - قوله تعالى: " هاروت وماروت " لا ينصرف " هاروت "، لأنه أعجمي معرفة، وكذا " ماروت "، ويجمع هواريت ومواريت، مثل طواغيت، ويقال:
هوارتة وهوار، وموارتة وموار، ومثله جالوت وطالوت، فاعلم. وقد تقدم هل هما ملكان أو غيرهما؟ خلاف. قال الزجاج: وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: أي والذي أنزل