الجمع، كما قال تعالى: " فإن كان له إخوة فلأمه السدس " ولا يحجبها عن الثلث إلى السدس إلا اثنان من الاخوة فصاعدا، على ما يأتي بيانه في " النساء (1) ". الثاني: أنهما لما كانا الرأس في التعليم نص عليهما دون اتباعهما، كما قال تعالى: " عليها تسعة عشر (2) " الثالث: إنما خصا بالذكر من بينهم لتمردهما، كما قال تعالى: " فيهما فاكهة ونخل ورمان (3) " وقوله: " وجبريل وميكال ". وهذا كثير في القرآن وفي كلام العرب، فقد ينص بالذكر على بعض أشخاص العموم إما لشرفه وإما لفضله، كقوله تعالى: " إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي (4) " وقوله: " وجبريل وميكال "، وإما لطيبه كقوله: " فاكهة ونخل ورمان "، وإما لأكثريته، كقوله صلى الله عليه وسلم: (جعلت لي الأرض مسجدا وتربتها طهورا)، وإما لتمرده وعتوه كما في هذه الآية، والله تعالى أعلم. وقد قيل: إن " ما " عطف على السحر وهي مفعولة، فعلى هذا يكون " ما " بمعنى الذي، ويكون السحر منزلا على الملكين فتنة للناس وامتحانا، ولله أن يمتحن عباده بما شاء، كما امتحن بنهر طالوت، ولهذا يقول الملكان: إنما نحن فتنة، أي محنة من الله، نخبرك أن عمل الساحر كفر فإن أطعتنا نجوت، وإن عصيتنا هلكت. وقد روي عن علي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وكعب الأحبار والسدي والكلبي ما معناه: أنه لما كثر الفساد من أولاد آدم عليه السلام - وذلك في زمن إدريس عليه السلام - عيرتهم الملائكة، فقال الله تعالى: أما إنكم لو كنتم مكانهم، وركبت فيكم ما ركبت فيهم لعملتم مثل أعمالهم، فقالوا: سبحانك! ما كان ينبغي لنا ذلك، قال: فاختاروا ملكين من خياركم، فاختاروا هاروت وماروت، فأنزلهما إلى الأرض فركب فيهما الشهوة، فما مر بهما شهر حتى فتنا بامرأة اسمها بالنبطية " بيدخت " وبالفارسية " ناهيل (5) " وبالعربية " الزهرة " اختصمت إليهما، وراوداها عن نفسها فأبت إلا أن يدخلا في دينها ويشربا الخمر ويقتلا النفس التي حرم الله، فأجاباها وشربا الخمر وألما بها، فرأهما رجل فقتلاه، وسألتهما عن الاسم الذي يصعدان به إلى السماء فعلماها فتكلمت به
(٥١)