أي بيانا لهم وإرشادا. والمراد القرآن بجملته من محكم ومتشابه وناسخ ومنسوخ، ثم شرف بالذكر والتخصيص البينات منه، يعني الحلال والحرام والمواعظ والاحكام. " وبينات " جمع بينة، من بان الشئ يبين إذا وضح. " والفرقان " ما فرق بين الحق والباطل، أي فصل، وقد (1) تقدم.
الحادية عشرة - قوله تعالى: " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " قراءة العامة بجزم اللام. وقرأ الحسن والأعرج بكسر اللام، وهي لام الامر وحقها الكسر إذا أفردت، فإذا وصلت بشئ ففيها وجهان: الجزم والكسر. وإنما توصل بثلاثة أحرف: بالفاء كقوله " فليصمه " " فليعبدوا " [قريش: 3]. والواو كقوله: " وليوفوا " [الحج: 29]. وثم كقوله: " ثم ليقضوا " [الحج: 29] و " شهد " بمعنى حضر، وفيه إضمار، أي من شهد منكم المصر في الشهر عاقلا بالغا صحيحا مقيما فليصمه، وهو يقال عام فيخصص بقوله: " فمن كان منكم مريضا أو على سفر " الآية.
وليس الشهر بمفعول وإنما هو ظرف زمان. وقد اختلف العلماء في تأويل هذا، فقال علي بن أبي طالب وابن عباس وسويد بن غفلة وعائشة - أربعة من الصحابة - وأبو مجلز لاحق بن حميد وعبيدة السلماني: من شهد أي من حضر دخول الشهر وكان مقيما في أوله في بلده وأهله فليكمل صيامه، سافر بعد ذلك أو أقام، وإنما يفطر في السفر من دخل عليه رمضان وهو في سفر. والمعنى عندهم: من أدركه رمضان مسافرا أفطر وعليه عدة من أيام أخر، ومن أدركه حاضرا فليصمه. وقال جمهور الأمة: من شهد أول الشهر وآخره فليصم ما دام مقيما، فإن سافر أفطر، وهذا هو الصحيح وعليه تدل الاخبار الثابتة. وقد ترجم البخاري رحمه الله ردا على القول الأول " باب إذا صام أياما من رمضان ثم سافر " حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ الكديد (2) أفطر فأفطر الناس. قال أبو عبد الله: والكديد ما بين عسفان وقديد (3).