قلت: وقول مقاتل هذا خلاف ما نقل من الاجماع " أن القرآن أنزل جملة واحدة " والله أعلم. وروى واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان والتوراة لست مضين منه والإنجيل لثلاث عشرة والقرآن لأربع وعشرين).
قلت: وفي هذا الحديث دلالة على ما يقول الحسن أن ليلة القدر تكون ليلة أربع وعشرين. وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان (1) هذا.
التاسعة - قوله تعالى: " القرآن " " القرآن ": اسم لكلام الله تعالى، وهو بمعنى المقروء، كالمشروب يسمى شرابا، والمكتوب يسمى كتابا، وعلى هذا قيل: هو مصدر قرأ يقرأ قراءة وقرآنا بمعنى. قال الشاعر:
ضحوا بأشمط عنوان السجود به * يقطع الليل تسبيحا وقرآنا أي قراءة. وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر أن في البحر شياطين مسجونة أوثقها سليمان عليه السلام يوشك أن تخرج فتقرأ على الناس قرآنا، أي قراءة. وفي التنزيل: " وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا (2) " [الاسراء: 78] أي قراءة الفجر. ويسمى المقروء قرآنا على عادة العرب في تسميتها المفعول باسم المصدر، كتسميتهم للمعلوم علما وللمضروب ضربا وللمشروب شربا، كما ذكرنا، ثم اشتهر الاستعمال في هذا واقترن به العرف الشرعي، فصار القرآن اسما لكلام الله، حتى إذا قيل: القرآن غير مخلوق، يراد به المقروء لا القراءة لذلك. وقد يسمى المصحف الذي يكتب فيه كلام الله قرآنا توسعا، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو) أراد به المصحف. وهو مشتق من قرأت الشئ جمعته. وقيل:
هو اسم علم لكتاب الله، غير مشتق كالتوراة والإنجيل، وهذا يحكى عن الشافعي. والصحيح الاشتقاق في الجميع، وسيأتي.
العاشرة - قوله تعالى: " هدى للناس " " هدى " في موضع نصب على الحال من القرآن، أي هاديا لهم. " وبينات " عطف عليه. و " الهدى " الارشاد والبيان، كما تقدم (3)،