قلت: وهو الصحيح لقوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا " فخاطب المؤمنين دون غيرهم، وهذا واضح، فلا يجب عليه الامساك في بقية اليوم ولا قضاء ما مضى. وتقدم الكلام في معنى قوله: " ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر (1) " والحمد لله.
الثالثة عشرة - قوله تعالى: " يريد الله بكم اليسر " قراءة جماعة " اليسر " بضم السين لغتان، وكذلك " العسر ". قال مجاهد والضحاك: " اليسر " الفطر في السفر، و " العسر " الصوم في السفر. والوجه عموم اللفظ في جميع أمور الدين، كما قال تعالى: " وما جعل عليكم في الدين من حرج " [الحج: 78]، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم (دين الله يسر)، وقال صلى الله عليه وسلم: (يسروا ولا تعسروا). واليسر من السهولة، ومنه اليسار للغنى.
وسميت اليد اليسرى تفاؤلا، أو لأنه يسهل له الامر بمعاونتها لليمنى، قولان. وقوله:
" ولا يريد بكم العسر " هو بمعنى قوله " يريد الله بكم اليسر " فكرر تأكيدا.
الرابعة عشرة - دلت الآية على أن الله سبحانه مريد بإرادة قديمة أزلية زائدة على الذات.
هذا مذهب أهل السنة، كما أنه عالم بعلم، قادر بقدرة، حي بحياة، سميع بسمع، بصير ببصر، متكلم بكلام. وهذه كلها معان وجودية أزلية زائدة على الذات. وذهب الفلاسفة والشيعة إلى نفيها، تعالى الله عن قول الزائغين وإبطال المبطلين. والذي يقطع دابر أهل التعطيل أن يقال: لو لم يصدق كونه ذا إرادة لصدق أنه ليس بذي إرادة، ولو صح ذلك لكان كل ما ليس بذي إرادة ناقصا بالنسبة إلى من له إرادة، فإن من كانت له الصفات الإرادية فله أن يخصص الشئ وله ألا يخصصه، فالعقل السليم يقضي بأن ذلك كمال له وليس بنقصان، حتى أنه لو قدر بالوهم سلب ذلك الامر عنه لقد كان حاله أولا أكمل بالنسبة إلى حاله ثانيا، فلم يبق إلا أن يكون ما لم يتصف أنقص مما هو متصف به، ولا يخفي ما فيه من المحال، فإنه كيف يتصور أن يكون المخلوق أكمل من الخالق، والخالق أنقص منه، والبديهة تقضي برده وإبطاله. وقد وصف نفسه جل جلاله وتقدست أسماؤه بأنه مريد فقال تعالى: