" فعال لما يريد (1) " [هود: 107] وقال سبحانه: " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " [البقرة: 185] وقال: " يريد الله أن يخفف عنكم (2) " [النساء: 28]، إذا أراد أمرا فإنما يقول له كن فيكون. ثم إن هذا العالم على غاية من الحكمة والاتقان والانتظام والاحكام، وهو مع ذلك جائز وجوده وجائز عدمه، فالذي خصصه بالوجود يجب أن يكون مريدا له قادرا عليه عالما به، فإن لم يكن عالما قادرا لا يصح منه صدور شئ، ومن لم يكن عالما وإن كان قادرا لم يكن ما صدر منه على نظام الحكمة والاتقان، ومن لم يكن مريدا لم يكن تخصيص بعض الجائزات بأحوال وأوقات دون البعض بأولى من العكس، إذ نسبتها إليه نسبة واحدة. قالوا: وإذ ثبت كونه قادرا مريدا وجب أن يكون حيا، إذ الحياة شرط هذه الصفات، ويلزم من كونه حيا أن يكون سميعا بصيرا متكلما، فإن لم تثبت له هذه الصفات فإنه لا محالة متصف بأضدادها كالعمى والطرش والخرس على ما عرف في الشاهد، والبارئ سبحانه وتعالى يتقدس عن أن يتصف بما يوجب في ذاته نقصا.
الخامسة عشرة - قوله تعالى: " ولتكلموا العدة " فيه تأويلان: أحدهما - إكمال عدة الأداء لمن أفطر في سفره أو مرضه. الثاني - عدة الهلال سواء كانت تسعا وعشرين أو ثلاثين. قال جابر بن عبد الله قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الشهر يكون تسعا وعشرين). وفي هذا رد لتأويل من تأول قوله صلى الله عليه وسلم: (شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذو الحجة) أنهما لا ينقصان عن ثلاثين يوما، أخرجه أبو داود. وتأوله جمهور العلماء على معنى أنهما لا ينقصان في الاجر وتكفير الخطايا، سواء كانا من تسع وعشرين أو ثلاثين.
السادسة عشرة - ولا اعتبار برؤية هلال شوال يوم الثلاثين من رمضان نهارا بل هو لليلة التي تأتي، هذا هو الصحيح. وقد اختلف الرواة عن عمر في هذه المسألة فروى الدارقطني عن شقيق قال: جاءنا كتاب عمر ونحن بخانقين قال في كتابه: (إن الأهلة بعضها أكبر من بعض، فإذا رأيتم الهلال نهارا فلا تفطروا حتى يشهد شاهدان أنهما رأياه بالأمس.